Friday, April 08, 2011

الحراك الجنوبي هو الأول في العالم العربي الذي تبنى النضال السلمي

الاسبوع الماضي نشر مركز الجزيرة للدراسات دراسة تحت عنوان "الحراك الجنوبي قوة فاعلة غير رسمية" لمحمد علي ابوبكر السقاف اوردت بشيء من التفصيل عن الحركة الإحتجاجية باليمن الجنوبي المتمثلة بالحراك السلمي الجنوبي الذي إنطلق بشكله الحالي عام 2007.

يمكن للمهتمين بالوضع اليمني والجنوبي فيه خصوصاً الرجوع للدراسة والإطلاع عليها بالتفصيل في موقع الجزيرة من هنا، وهي حسب ما ذُكر جزء من دراسة أشمل سينشرها المركز قريباً تختص بالوضع اليمني كاملاً وليس فقط الجنوب.

بإختصار أبرز النقاط التي اوردتها الدراسة عن حراكنا الجنوبي هي كالتالي:

أولاً: يؤخذ على الحزب الإشتراكي اليمني الذي وقع إتفاقيات الوحدة مع الشمال كممثل للجنوب عدم تأمينه لحقوق ومصالح أبناء دولة الجنوب عند إبرامه لاتفاقيات الوحدة.
  
ثانياً: الحراك الجنوبي يحتضن جميع فئات أبناء الجنوب من مستقلين وحزبيين منتمين إلى جميع الأحزاب السياسية القائمة في اليمن، بمن فيهم أعضاء في الحزب الإشتراكي اليمني واعضاء من الحزب الحاكم، المؤتمر الشعبي العام. كما أن جميع أعضاء الحراك وقياداته مقتصرة فقط على أبناء الجنوب.

ثالثاً: إقرار القادة الجنوبيين لوحدة ارتجالية عام 1990 تحت الضغوط لم تأخذ بعين الاعتبار الاختلاف في الموروث التاريخي والسياسي الذي عاشه الجنوبيون إبان فترة الاستعمار البريطاني أو في المرحلة التالية له في دولتهم المستقلة. 

رابعاً: عرف جنوب اليمن في عهد الاحتلال البريطاني مفهوم الدولة والإدارة وسيادة القانون والمجتمع المدني والتعددية الحزبية والسياسية والحياة البرلمانية. ونشأت في ظل دولة الاستقلال دولة مركزية مدنية يحكمها نظام الحزب الواحد ممثلا بالحزب الاشتراكي.
وكانت دولة الجنوب تقوم على محاصرة القبيلة دستوريا وتشريعيا وعدم الاعتراف بها، وكانت تحتكر وحدها أدوات العنف وممارسته.

خامساً: النظام السياسي في الشمال كان يقوم على تحالف المؤسستين العسكرية والقبلية خاصة في ظل حكم الرئيس علي عبد الله صالح، والدولة والمؤسسة القبلية بيدهما أدوات العنف، لذا فإن تسليح القبيلة كان ولا يزال من أهم روافد ديمومة وفاعلية دور القبيلة السياسي.

سادساً: اللافت أن قانون الانتخابات العامة الذي صدر عام 1992 اعتمد تقسيم الدوائر الانتخابية وفق المعيار السكاني، وعليه خصص للجنوب 56 مقعدا بدلا من الرقم السابق 126 مقعدا حينما قامت الوحدة في 1990. وبذلك أصبح الجنوب الذي تبلغ مساحته الجغرافية 336 ألف كلم مربع (يعادل ثلثي مساحة اليمن الموحد الإجمالية البالغة 555 ألف كلم مربعا)، وينتج ما يقارب 80% من نفط دولة الوحدة ممثلا في مجلس النواب بـ56 مقعدا نيابيا فقط، أي بفارق مقعدين فقط عن المقاعد المخصصة لمحافظة صنعاء وأمانة العاصمة البالغة 54 مقعدا.
 

سابعاً: الدستور نفسه لم يستفت عليه إلا في مايو 1991، أي بعد عام من قيام دولة الوحدة، بل ذهبت السلطة أبعد من ذلك واعتبرت الاستفتاء على الدستور كأنه استفتاء على الوحدة، وأنه لا حاجة لاستفتاء الشعب على الوحدة بذاتها.

ثامناً:  اعتبر خطاب الرئيس علي عبد الله صالح في ميدان السبعين في العاصمة صنعاء في 27/4/1994 بمنزلة إعلان حرب على الجنوب، وردا على ذلك أعلن علي سالم البيض في 21/5/1994 فك الارتباط بالشمال (اي بعد شهر من الحرب). وصدر قراران عن مجلس الأمن الدولي رقم (924) و(931) في يونيو 1994، دعا الطرفين لحل مشاكلهما بالحوار وليس من خلال استعمال القوة، ونوه إلى إبقاء هذه المسألة "قيد النظر الفعلي". ولكن انتهت الحرب في 7/7/1994 بهزيمة الجنوب عسكريا.
واعتبرت بعض النخب والقيادات الجنوبية أن الحرب حولت الوحدة إلى احتلال، وأنها أسقطت اتفاقيات الوحدة واستبدلت بدستور الوحدة دستورا جديدا للعام 1994.

تاسعاً: يرى الحراك الجنوبي أن الحرب ألغت الوحدة التوافقية بالوسائل العسكرية، وأن التشريع استخدم كأداة انقلابية لإلغاء الأسس القانونية لدولة الوحدة وللاستيلاء على ثروات الجنوب وإلغاء مقومات دولته، ومن الأمثلة على ذلك ما يلي:
  • أقر مجلس النواب اليمني الموحد في أكتوبر/تشرين الأول 1994 تعديل 80 مادة من أصل 131 مادة من دستور الوحدة المستفتى عليه في مايو/أيار 1991، وخلافا لاتفاقية الوحدة التي ألغت دستوري الدولتين السابقتين أعيدت -تحت مسمى التعديل- مجموعة من مواد دستور الشمال للعام 1970 إلى الدستور الجديد. وكذلك استبدل مجلس الرئاسة كهيئة تمثيل للشمال والجنوب هيئة فردية اخرى ممثلة برئيس الجمهورية.
  • أصدر الرئيس قرارا جمهوريا بقانون لسنة 1995 يتعلق بأراضي وعقارات الدولة، سمح بموجبه لرئيس الجمهورية بتوزيع أراضي وعقارات الدولة بشكل رئيسي في الجنوب، على أفراد من أسرته ومن العسكريين والتجار والشيوخ الذين شاركوا في حرب 1994 مكافأة لهم.
  • شكلت اللجنة العليا للخصخصة بموجب قانون الخصخصة للعام 1999، بطريقة أتاحت لمجموعة من المتنفذين تملك المؤسسات الصناعية والتجارية والفندقية والخدمية للقطاع العام والمختلط إضافة إلى تملك المنشآت والمباني والعقارات الحكومية في الجنوب.
  • وزعت السلطة السياسية بعد العام 1994 امتيازات نفطية في أراضي الجنوب لعدد من الشخصيات القبلية والعسكرية الشمالية ولبعض أقارب الرئيس، إضافة إلى أن معظم شركات الخدمات للعمليات البترولية هي بيد شخصيات غير جنوبية، بل إن غالبية العمال فيها يستقدمون من خارج أبناء المحافظات المنتجة للنفط في الجنوب، مع العلم أن أغلب القطاعات النفطية تقع في الجنوب، فقد أظهرت دراسات قام بها الأستاذ في جامعة عدن حسين مثنى العاقل أن من بين 100 قطاع يقع 92 قطاعا نفطيا في المحافظات الجنوبية. أما القطاعات المنتجة للنفط فهناك 13 قطاعا إنتاجيا منها 12 في محافظات الجنوب، مقابل قطاع واحد في الشمال.
  • أدخلت السلطة بعد حرب 1994 ثقافة القبيلة السائدة في الشمال  إلى الجنوب، وعينت "مشايخ وعقال حارات"، وهو ما لم تعرفه عدن وبقية المحافظات الجنوبية طيلة تاريخها.
  • عسكرة المدن في الجنوب، بعد أن كان المجتمع المدني قد ترسخ في الجنوب منذ فترة الاستعمار البريطاني وأثناء فترة دولة الاستقلال.
  • تغيير التركيبة السكانية في الجنوب، بتشجيع نزوح المواطنين من الشمال إلى الجنوب، وتوزيع الأراضي عليهم بالمجان ليستوطنوها بكثافة.
  • تغيير التقسيمات الإدارية للدولة بذريعة مسح آثار التشطير بين البلدين، من ذلك ضم مديريات ذات كثافة سكانية من محافظات تعز وإب والبيضاء إلى محافظة الضالع بقانون العام 1998، كما ضمت بنفس القانون مديريتان أخريان من محافظة تعز إلى محافظة لحج. وأضيفت أيضا مديرية من محافظة البيضاء إلى محافظة شبوة بقانون العام 1999. ومن الملاحظ أيضا أنه تم فصل مديرية باب المندب الإستراتيجي الهام من محافظة عدن في الجنوب إلى محافظة تعز الشمالية التي لا تطل على البحر العربي.
  • حل جيش وقوات أمن الجنوب بعد حرب 1994، بتسريح غالبية قادة وأفراد الجيش والأمن وإحالتهم إلى التقاعد البالغ إجمالي عددهم (82200) فرد، ومن جهة أخرى بلغ عدد المحالين إلى التقاعد الإجباري (566616) من أصل (680000) من إجمالي الموظفين والعاملين في القطاع المدني في الجنوب.

عاشراً: هناك عاملان رئيسان فجرا القضية الجنوبية والحراك الجنوبي، وهما:
  1. النخبة الجنوبية من مفكرين وكتاب وصحفيين وفنانين في استشعارهم بقضيتهم والمظالم التي لحقت بهم نتيجة السياسات الخاطئة التي ارتكبت في مرحلة الإعداد وتحقيق الوحدة من قبل قيادة الجنوب.

  2. مظاهرة للحراك الجنوبي في اكتوبر 2009
  3. جمعيات المتعاقدين العسكريين والأمنيين التي أنشئت في 2007، وطالبت لأول مرة في الداخل الجنوبي بحق الجنوبيين في تقرير المصير، واستطاعت تحريك الشارع في فعاليات شعبية شارك فيها الآلاف من الجنوبيين. وتتكون تلك الجمعيات من قيادات عسكرية وأمنية عليا وضباط وجنود أحيلوا للتقاعد أو فصلوا من الخدمة بعد حرب 1994 وجمعيهم جنوبيون.
احد عشر: أهداف الحراك السلمي الجنوبي، حينما انطلقت الجمعيات والهيئات التي تشكلت في مطلع العام 2007 ككياناتٍ حقوقية مطلبية، ثم تحولت إلى سياسية بسبب عدم تجاوب السلطة مع مطالبها، وذهب بعضها إلى المطالبة بإنهاء ما تسميه "احتلال الجنوب" وفك الارتباط مع دولة الشمال، مع الإشارة إلى أنها لا تعده انفصالا، لمراعاة الفرق بين المصطلحين وفق القانون الدولي.

ففك الارتباط يعني بمفهوم القانون الدولي أن الوحدة قد تمت بين دولتين ذاتي سيادة، وهما عضوان في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وتريد إحداهما أو الطرفان معا فك رابطة الوحدة واستعادة كل منهما لسيادته واستقلاله، كما حدث في الوحدة المصرية السورية في العام 1961، وتشيكوسلوفاكيا في1992... إلخ وينطبق على الحال في اليمن الجنوبي مع اليمن الشمالي.
بينما الانفصال يعني اقتطاع جزء من أراضي دولة قائمة وإعلان نفسها دولة مستقلة مثلما حدث مع كاتنغا في أزمة الكونغو عام 1960، وبيافرا مع نيجيريا عام 1970.

إثنى عشر: يرى الحراك أن قضية الجنوب هي قضيته، وأنها قضية شعب وأرض وثروة وهوية يجب استعادتها بالنضال السلمي، وتجسيدا لهذا المبدأ يتجنب الحراك الانجرار إلى العمل المسلح لتحقيق أهدافه، مع العلم أن من بين مكوناته جمعيات المتقاعدين العسكريين والأمنيين وهم من أفراد القوات المسلحة والأمنية الجنوبية، ومن أبرز الأساليب التي اتبعوها حتى الآن في أنشطتهم إقامة المهرجانات والاعتصامات والمسيرات والمظاهرات، إضافة إلى الإضراب والعصيان المدني.

ثلاثة عشر: تتبع السلطة اليمنية في مواجهة الحراك الجنوبي سياسات تنفذها في العادة "سلطات احتلال" لا سلطات وطنية كما يرى مؤيدو الحراك، مؤكدة بذلك ما تردده بعض قيادات الحراك من أن الجنوب بعد حرب 1994 أصبح "أرضا محتلة".

اربعة عشر: سعت السلطة إلى حجب أخبار الحراك ومنع نقل صورة سياسة اليد الحديدية التي تعتمدها السلطة ضدهم، فصادرت سبع صحف مستقلة لفترة قصيرة كتغطية على إيقاف صحيفة "الأيام" العدنية (الجنوبية) لأكثر من عامين حتى الآن، وسجن رئيس تحريرها وولداه لعدة أشهر. حيث أعيدت جميع الصحف للصدور بعد اسابيع بإستثناء صحيفة الأيام إلى يومنا هذا.

خمسة عشراستخدمت السلطة العنف المفرط في قمع فعاليات الحراك حتى بالذخيرة الحية وصولا إلى الأسلحة الثقيلة في ضرب مدن الجنوب، وهناك ازدياد مستمر في عدد المعتقلين وصدرت أحكام مغلظة ضدهم، هذا فضلا عما وجهت من اتهامات للسلطة بأنها حاولت اغتيال بعض القيادات من الحراك الجنوبي وفشلت.

ستة عشر: لم يعد بوسع الرئيس اليمني التنقل في الجنوب بحرية، ومن الأمثلة على ذلك أنه بات يكتفي بمقابلة أعضاء المجالس المحلية الجنوبية في قصر الرئاسة بصنعاء بدلا من الالتقاء بهم في مجالسهم. وبهذا، فمن الواضح أن الحراك أصبح يمثل تحديا لسلطة الدولة ورموزها وللرئيس نفسه.

سبعة عشر: من الواضح أن تنامي قدرة الحراك واتساع قاعدته الشعبية في الجنوب يقابلها تآكل في سلطات الدولة ووظائفها وانفلات سيطرتها على أجزاء من محافظات الجنوب التي يعدها الحراك مناطق محررة، وستزداد رقعتها تدريجيا في المستقبل القريب.

ثمانية عشر: يتميز الحراك النوبي عن بقية أطراف المعارضة غير الرسمية -اي غير أحزاب اللقاء المشترك- في اليمن بما يلي:

الحراك الجنوبي والحركة الحوثية

يمثل الحراك فئة تقول أنها كانت تنتسب لدولة مستقلة لها هويتها الخاصة بها، وتريد استعادة هذه الدولة من خلال العمل السلمي. بينما اعتمد الحوثيون المواجهة المسلحة ضد السلطة. ومن الناحية الرسمية يتميز الحراك عن الحركة الحوثية باعتبار أن الأخير يهدد نظام الرئيس علي عبدالله صالح، والحراك الجنوبي يهدد وحدة اليمن.
وعلى صعيد الصراع مع السلطة، لم تسمح الأخيرة لأي وساطة إقليمية أو دولية بالتدخل بينها وبين الحراك الجنوبي، بينما وافقت ورحبت بالوساطة القطرية وأشركت السعودية في حربها ضد الحوثيين، وخضعت لمطالب الولايات المتحدة بإيقاف حربها ضد الحوثيين لتتفرغ أي السلطة لمكافحة الإرهاب والقاعدة.

الحراك الجنوبي والتكتلات القبلية

توجد قبائل في الجنوب لكنها ليست تكتلات قبلية مثل الشمال، فقد تم تطويق القبائل في نهاية فترة الاستعمار البريطاني ونزعت أسلحتها. كما حلت معظم قضايا الثأر بين قبائل الجنوب في إطار دولة الاستقلال، ويشارك أعضاء من القبائل الجنوبية في الحراك، ويقفون مع بقية شرائح المجتمع المدني في نشاطاته السلمية لاستعادة الجنوب.

الحراك الجنوبي والقاعدة

يعتمد الحراك الجنوبي في وجوده وأعضائه وأنشطته على أبناء الجنوب، وساحة عمله هي الجنوب حصرا، ويريد دولته المدنية الخاصة عبر العمل السلمي. أما القاعدة فهي تنظيم أممي لا تقتصر في أنشطتها أو في وجودها على اليمن، فهي موجودة في الشمال بمأرب والجوف، وفي الجنوب بأبين وشبوة وحضرموت، وتعتمد العنف لتحقيق أهدافها.

ويعتقد غالبية قيادات الحراك أن القاعدة هي صناعة السلطة، خرج أعضاؤها من القصر الرئاسي للدولة وتتبع قيادة الدولة ومؤسساتها الأمنية، وأن الرئيس يستخدمها لتشويه صورة الحراك إقليميا ودوليا، ليبرر ضرب قواعد الحراك بحجة مكافحة الإرهاب، كما حدث في شبوة في سبتمبر/أيلول 2010، ما أدى إلى تهجير ما بين 15000 و20000 شخص من مدينة الحوطة.

تسعة عشر: ويثبت المشهد العربي الذي تجلى فيه سقوط الرئيسين التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك، أن النضال السلمي كخيار إستراتيجي للحراك لم يستنفد غرضه بعد، خاصة أن الحراك الجنوبي هو الأول في العالم العربي الذي تبنى النضال السلمي يوميا ومنذ سنوات لتحقيق مطالبه.

عشرون: أما المستقبل ومرحلة ما بعد الثورة، فليس من المتوقع أن يتخلى الحراك الجنوبي عن هدفه بفك الارتباط المستوحى من تجربة عقدين من الوحدة، ولوجود اختلاف جذري بين هوية الشعبين في الجنوب والشمال وتطلعاتهما.

2 comments:

Osan Boairan said...

موضوع هام جدا
شكرا

Thabet said...

فعلاً دراسة مهمة وحيادية إلى حد كبير