Thursday, September 10, 2009

القرآن يقدم الجانب الإيجابي للصيام

كلام في الصميم للمفكر جمال البنا يوضح فيه معنى رمضان بعيداً عن ما إنقسم الناس حوله كفريقين، الاول لا يرى فيه سوى صلاه وإعتكاف وتنسك والاآخر وجد فيه راحه ونوم ومسلسلات لا تنتهي!

الم
قال نشر في نيوزويك العربية وهو:

القرآن يقدم الجانب الإيجابي للصيام

رمضان بين الواقع.. والواجب

كتب:جمال البنا *

يتصورالناس أن شهر رمضان هو شهر الصيام. ولكن الله تعالى يقول في القرآن: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذًي أُنزًلَ فًيهً الْقُرْآنُ»، ويبني على هذا «فَمَنْ شَهًدَ مًنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ».
«شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذًي أُنزًلَ فًيهً الْقُرْآنُ هُدًى لًلنَّاسً وَبَيًّنَاتي مًنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانً فَمَنْ شَهًدَ مًنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» (البقرة:185).
أي أن القرآن الكريم أراد أن يكون صوم رمضان نوعا من الاحتفال بالقرآن الذي أنزل فيه.

فإذا تصورنا رمضان كما أراده القرآن لقلنا: شهر رمضان هو شهر القرآن. هو المناسبة التي نظهر فيها احتفالنا وتقديرنا وفهمنا وتطبيقنا للقرآن. والقرآن فيه «تًبْيَاناً لًكُلًّ شَيْءي»، ومن ثم فإن الاحتفال به يمكن أن يضم كل شيء حتى الفنون والموسيقا، والمسلسلات والغناء.. إلخ، ولكنها ليست إلا جزءا يسيرا من عالم القرآن العظيم.
القرآن فيه «تًبْيَاناً لًكُلًّ شَيْءي»، لأنه أحال إلى العقل، وأمر بالفكر، واعتمد الحكمة، وهتف بالمؤمنين أن يسيروا في الأرض، وأن يتدبروا آيات الله في الآفاق وفي أنفسهم.
أتصور أن يكون رمضان شهرا تتبارى فيه كل الهيئات والجامعات، والوزارات، والهيئات الأهلية بعرض ما تقوم به وتعريف الناس بما توصلت إليه من إنجازات، ويظهر فيه الأبطال المجهولون في كل ناحية، ويظهر فيه كل فـــلاح استطاع أن يضاعف المحصول، وكل رياضي ضرب رقما قياسيا، وكل عامل توصل إلى اختراع أو اكتشاف ينهض بالإنتاج.
كل الهيئات تنهمك ليلا ونهارا في إعداد معارض، اجتماعات، مؤتمرات، دراسات، وكل واحدة تضم برنامجا يوميا أو أسبوعيا.
بهذه الصورة يكون رمضان عيدا للعمل، لإبراز الجهود، لمراجعة سير التقدم لمعرفة أوجه النقص لاستدراكها والتعرف على الإنجازات والإشادة بها.
العمل هو دليل الإيمان، لأن كل واحد يمكن أن يدعي أنه أتقى الناس، وأنقى الناس. فإذا كان عمله زورًا وزيفا وتلفيقا، فإن هذا هو ما ينفي إيمانه.
القرآن يقدم الجانب الإيجابي في شهر رمضان» لأن الصيام عن الأكل والشرب والمخالطة الجنسية عمل سلبي، وهو محدود القيمة، خاصة لأنه من الفجر للغروب يباح بعدها ما حرم قبلها، فليس له في حد ذاته قيمة كبيرة، القيمة الكبيرة هي أن يشغل يوم الصيام بما يملأه من عمل منتج، عمل مستمر، عمل مفيد، وهذا العمل هو ما سيشغله عما يثيره الصيام من ضيق أو ملل.
هذا هو الواجب في رمضان كما يوحي به القرآن. أما الواقع فهو بالطبع شيء آخر, شيء «مختلف»، شيء يتناقض مع الواجب.
كنت في جدة بالسعودية أحد أيام رمضان فكدت أجن، المدينة كلها نائمة، لا وجود لها من الصباح حتى العصر، والفيلا التي استضفت فيها ليس بها أحد كأنها مهجورة، وبعد العصر فحسب بدأت المدينة تتثاءب وتظهر فيها حركة طفيفة.
والحال في بقية المدن في العالم الإسلامي قريبة، الوزارات مفتوحة، ولكن الموظفين نائمون، مقياس العمل في كل شيء ينزل إلى أقل مستوياته بحجة الصيام، فإذا أذن المغرب فالكل منهمك في الأكل فلا تسمع إلا قضما وبعده يأتي الشاي والشيشة، وبعده ينفتح التليفزيون.
إن الهيئة الوحيدة التي قامت بما افترضنا أن تقوم به بقية الهيئات من مضاعفة الجهود وإبراز الإنجازات هي التليفزيون التي تحشد عشرات أو حتى مئات القنوات ببرامج مختلفة من روايات ومسرحيات وأفلام ومسلسلات وأغان.. إلخ.
ومن ناحية أخرى نجد مجموعات تهرع في رمضان إلى صلاة التراويح التي تطول أو تقصر، وتعمل للإعتكاف في العشر الأواخر.
لا العكوف على التراويح ولا الاستسلام للتليفزيون هو التعامل الأمثل مع رمضان. لأن الوقت الذي نعيش فيه هو وقت سباق، وقت جري، وقت طيران، منافسة عنيفة للتوصل إلى آخر ما أثمرته البحوث في الفلك، والرياضة، والصناعة، والإنتاج، في صنع معدات القوة العسكرية من طائرات إلى غواصات إلى حاملات طائرات.
تخلفنا.. تخلفنا.. تخلفنا!! وأبرز عنصر في هذا التخلف في الوقت، فاليوم الذي يضيع لا يمكن استعادته أبدا، يجب أن نعمل ليل نهار، لا لنكون أندادا للغرب المتقدم، ولكن لكي نحصل على هزيمة مشرفة، هزيمة تجعل تخلفنا 100 سنة بدلاً من أن يكون 200.
وقد سأل سائل: لماذا هذا التخلف؟
لأسباب عديدة، منها ـ فيما نحو بصدده ـ إن الإيمان السلفي للإسلام الذي تدعو إليه المؤسسات الدينية، إيمان تقليدي يقوم على الاجترار ويعيش في الماضي ويتقبل الخرافة ولا يسهم في الحاضر، ومن الطبيعي أن يخلو من الإبداع ويستحل الخرافة.
إن هذا الفهم السلفي يؤمن أن الأسلاف أقدر منا، وأننا لن نصل إلى شأوهم، وعلينا تقليدهم، أي أن أمة محمد أعطت عقلها إجازة لـ1000 عام عندما أغلق باب الاجتهاد.
صدأ العقل المسلم لعدم الاستخدام لألف عام. فلنشكر الله أننا لا نزال نسير على قدمين، وكان يمكن أن نسير على أربع لأن الله يقول: «أُوْلَئًكَ كَالأَنْعَامً بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئًكَ هُمْ الْغَافًلُونَ» (الأعراف : 179).
والحل هو في العودة إلى القرآن.


*البنا هو مفكر مصري والشقيق الأصغر لحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين.

تاريخ النشر: الثلاثاء 25/8/2009

No comments: