دراسة بريطانية عن اليمن والحراك السلمي الجنوبي من معهد العلاقات الدولية في برمنجهام ببريطانيا، قام بها الباحث والكاتب البريطاني "باتريك كريجر" ونشرت في العديد من المواقع على الانترنت وأيضاً في صحيفة الطريق.
هذا هو نص المقال المنقول من منتديات حضرموت:
هذا هو نص المقال المنقول من منتديات حضرموت:
اليمن: مأزق النظام القبلي في الشمال في الوحدة مع الجنوب
المشائخ وسعيهم نحو السيطرة على السلطة
فتحت ثورة سبتمبر1962 أمام مشائخ القبائل آفاق التطلع الى المساهمة في صناعة القرار السياسي بعد أن كان ذلك بعيد المنال إبان العهد الملكي. ففي عهد الإمام يحيى حميد الدين ثم في عهد نجله الإمام أحمد لم يكن أمام المشائخ سوى السجون والمعتقلات وهدم البيوت والتشرد وجزّ الرقاب. وحين قامت ثورة 1962 كان الكثير من المشائخ إما في السجون أو هاربين من قبضة الإمام أو مشردين في شتى البقاع.
ومنذ الأيام الأولى للثورة ونظرا لغياب جيش وطني حديث وجد قادة الثورة أنفسهم في حاجة لحشد وتعبئة القوى الشعبية من مختلف المناطق وكذا جذب واستمالة المشائخ الى صفهم مع أفراد قبائلهم للدفاع عن الثورة ومواجهة القوى الملكية خشية سقوط النظام الوليد على أيدي القبائل المعادية.
كتب عبدالرحمن الإرياني في الأسابيع الأولى لاندلاع الثورة الى آلـ " أبو لحوم " من قبيلة بكيل يحثهم على سرعة وصول الشيخ سنان أبو لحوم قائلا: " نحن في انتظار سماع صوت النقيب سنان من الإذاعة " (مذكرات سنان أبولحوم. اليمن حقائق ووثائق عشتها.مؤسسة العفيف، صنعاء، الجزء الثاني ، ص 33). وكان ذلك تعبيرا عن الحاجة الملحة لاستمالة المشائخ والوجهاء وكسب ولاء قبائلهم للصف الجمهوري.
لكن هؤلاء المشائخ الذين كان السياسيون ينتظرون سماع صوتهم من الإذاعة، ويطلبون دعمهم ومساندتهم ، سرعان ماتملكهم الشعور بأن الثورة ملك ٌلهم وأنها لم تقم الا من أجلهم كثار شخصي لما حلّ بهم على يد النظام الملكي، وأنهم هم المعنيون دون غيرهم من الشعب اليمني بحراسة النظام الجمهوري. يقول الشيخ عبدالله حسين الأحمر:" كان أبناء حاشد الذين كنت أقودهم هم جيش الثورة... وكان الشعور لدى قبائل حاشد مشائخ وأفرادا أنهم مسئولون عن حماية الثورة وأن الثورة ثورتهم ، وهذا الإحساس تولد لدى حاشد نتيجة لما أصيبوا به عندما استشهد الوالد والأخ حميد وما نالهم من الإهانة والمعاناة، كل هذا أوجد عندهم شعور أن الثورة ماقامت الا كرد فعل رسمي وشعبي لما حدث وأن أهم عوامل قيامها هو ماحل بحاشد ومشائخها، وانطلاقا من هذا الإحساس والشعور أصبحت لديهم قناعة أنهم مسئولون عن حماية الثورة وأن ذلك يهمهم ويخصهم أكثر من غيرهم. وهذا الفهم كان موجودا لدى بعض الذين كانوا يحاربون الثورة من القبائل الأخرى، حيث كانوا يعتبرون أن الثورة هي ثورة حاشد" (مذكرات الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، الآفاق للطباعة والنشر، صنعاء، 2007 ، ص 85-87)
ونظرا لتخلف تركيبة المجتمع اليمني وغلبة البنية الريفية – القبلية عليه ومحدودية حجم المدينة وضعف مساهمتها في النشاط الاقتصادي وما ترتب عليه من غياب قوى سياسية جماهيرية منظمة وفاعلة، وجدت تجمعات المشائخ الأكثر تنظيما والمستندة الى قوى قبلية المجال مهيئا لملء ذلك الفراغ. وهكذا تطلع المشائخ للعب دور سياسي فاعل وامتلاك حق تقرير مصير النظام والتحكم في ثروات البلد وتحديد مستقبله. وقد وجد ذلك انعكاسا جزئيا في تشكيل الهيئات الحكومية منذ العام الأول للنظام الجديد حيث تشكل مجلس للشيوخ ثم تشكل في ابريل من عام 1963 مجلس رئاسة كان للمشائخ فيه حضور كبير.
لكن تطلع المشائخ السياسي اصطدم فعليا بالتواجد العسكري المصري في اليمن وتأثيره على القرار السياسي. ولهذا ناصب المشائخ الحضور المصري العداء إذ كانوا يرون في السياسات المصرية في اليمن عنصر تهديد لهم كزعماء قبائل وأن المصريين يعتبرونهم عقبة أمام تطور اليمن بل رأوا أن المصريين يعدون خطة لفرم مشائخ اليمن كما فرموا العمد في صعيد مصر. ( مذكرات الشيخ عبدالله الأحمر، ص 312 ). وقد تمكن المشائخ عبر سلسلة من معارك الكرّ والفرّ مع المصريين وقيادة النظام الوليد، وما لحق بمصر من هزيمة على يد إسرائيل في يونيو 1967 ، من تصفية التواجد العسكري المصري ثم اسقاط نفوذه السياسي من خلال الإطاحة بحكومة الرئيس السلال في شهر نوفمبر من العام ذاته. كما كان من عوامل ضعف المشائخ آنذاك تمزق القبائل بين المعسكرين الجمهوري والملكي. وفي العام 1970 تمكن المشائخ من توحيد صفوفهم من خلال المصالحة التي تمت بين من يقف منهم في الصف الجمهوري ومن يقف في الصف الملكي.
المشـائخ ومفهـوم بنـاء الـدولة
الشعب، الأمة، الوطن، الدولة، الدستور، البرلمان، الحكومة، القانون، المؤسسات، الجيش، جهاز الأمن، التخطيط، التنمية - كلمات قلما تجدها في مذكرات المشائخ، بينما تطغى مفردات مثل الشيخ، القبيلة، أبناء المشائخ، العرف، التحكيم القبلي، السلاح، النقود على كامل صفحات تلك المذكرات. وهذا ينبيء لاشك عن مستوى وعي العقلية القبلية وحدود فهمها لطبيعة الدولة و بنائها وتركيبتها الدستورية والقانونية. السلطة العليا في الدولة، وفقا لعقلية القبيلة، مناطة بمجلس غير دستوري يتكون من زمرة محدودة من كبار المشائخ الذين يشكلون القيادة الفعلية ويرون من حقهم تقرير الوضع السياسي في البلد وكيفية تقاسم وتوزيع ثرواته. الدستور، البرلمان، الحكومة، القوانين، كل هذا مجرد رداء ديكوري يـُخلع على السلطة القبلية كي تظهر في المظهر القانوني المناسب، أما في حقيقة الأمر فإن إدارة النظام تقوم على التدخل الشخصي من جانب زمرة المشائخ في كل القضايا الكبرى في البلد سياسية واقتصادية واجتماعية سواء كان لهم مناصب رسمية في جهاز الدولة وصفة دستورية تخوّل لهم ذلك التدخل أو لم يكن.
يتحدث الشيخ عبدالله الأحمر عن دوره فيقول: قناعتي الثابتة منذ بداية الثورة أنني أعتبر نفسي المحامي على الثورة والجمهورية سواء من خلال منصب رسمي أو غير رسمي أو من خارج المنصب" (مذكرات الشيخ عبدالله الأحمر، ص 139-140). وبما أن الثورة ثورة حاشد و زعيم حاشد الشيخ عبدالله المحامي عنها فهو يعطي الحق لنفسه ولأقرانه من كبار المشائخ التدخل في كل صغيرة وكبيرة وتصحيح أية سياسات يرونها من وجهة نظرهم تمس بالثورة والجمهورية.
في روايته لطريقة الانقلاب على حكومة عبدالرحمن الارياني يقول الشيخ الأحمر إنه تمّ التخطيط لحركة 13 يونيو 1974 من قبل الشيخ سنان أبو لحوم والشيخ أحمد علي المطري والشيخ مجاهد أبو شوارب ومحمد أبولحوم وعلي أبولحوم الى جانب ابراهيم الحمدي ، ثم أبلغوه بالرأي الذي اتفقوا عليه والذي قد أصبح قرارا بانتظار موافقته عليه باعتباره طبعا شيخا لقبيلة حاشد لارئيسا لمجلس الشورى ( المذكرات ، ص 209-210 ).
من هذه الصورة تتناسل بقية صور تسيير شئون الدولة، فعامل القوة هو العامل الرئيس في توزيع ثروات البلاد وخيراتها وليس خطط وبرامج التنمية والاحتياجات السكانية.. الخ . فالقبيلة الأقوى هي التي يحظى مشائخها بالنصيب الأوفر من السلطة والنفوذ والثروات والمغانم ويتمتع أبناؤها بالمناصب العسكرية والأمنية والمدنية تليها القبيلة الأدنى فالأدنى.
يروي سنان أبو لحوم أن السعوديين اعتمدوا مبلغا من المال وطـُلب منه تقسيمه فيقول : " قسّمت المبالغ على القبائل كل حسب حجمها... وخصصنا لحاشد ثلث المبلغ أي للشيخ عبدالله بن حسين الأحمر وأصحابه حاشد " (مذكرات سنان أبو لحوم ، الجزء الثاني ، ص 148-149 ).
أما المحافظات التي ضعفت وتفككت فيها البنية القبلية بحكم غلبة الطابع المدني عليها فهي بعيدة عن التمثيل الفعلي في السلطة وفي صنع القرار السياسي، ومواطنوها محرومون من التمتع بأية مراكز عسكرية أو وظائف مدنية ذات معنى، كما أن أراضيها وثرواتها تعتبر مرتعا للنهب والسلب من جانب أصحاب النفوذ القبلي العسكري.
ومن بين مراحل النظام الجمهوري تعتبر فترة الرئيس علي عبد الله صالح التي امتدت منذ عام 1978 وحتى اليوم هي الفترة التي سقطت فيها البلد في يد القبيلة. وخلال هذه الفترة تجلت الصورة الإجتماعية الأكثر بؤسا والأشد بشاعة لغياب الدولة إذ ْ قذف القانون والنظام بعيدا عن حياة المجتمع لتحل محله الأعراف القبلية وأهمها نظام التحكيم في ظل شريعة الغاب حيث الحق دائما للأقوى، وعلى قاعدة انهيار منظومة القيم الأخلاقية بل والدينية فالدين الإسلامي يحث أتباعه على الزهد والورع والعدل وتقوى الله وتجنب الاعتداء على حقوق الغير الخاصة والعامة. لكن النظام القبلي في عهد صالح ابتعد عن كل ذلك مشكلا ً منظومته الخاصة من المفاهيم والقيم المنحرفة حيث صار بلوغ الثراء السريع واكتناز الأموال هما الغاية التي تسفك من أجلها الدماء، وتنهار صروح الصدق والأمانة والعهود، ومن أجلها يجري نهب المال العام من ثابتٍ ومنقول على قدم وساق، والإعتداء على الممتلكات الخاصة للضعفاء، ومزاحمة أرباب التجارة ورجال الأعمال اعتمادا على القوة والنفوذ، وانتزاع الحقوق التجارية من أربابها مثل وكالات الشركات الأجنبية وغيرها انتزاعا بالقوة. وفي عهد صالح انهارت قيم العلم والحث على طلبه، واكتساب العمل الشريف والحث على اتقانه واعتمادهما أساسا لتطور الفرد ورقيّه، وحلت محلهما قيم الخداع والنفاق والتزلف وانتشار الرشوة وسلوك العصابات واستفحلت ظاهرة الرشوة والمحسوبية والمحاباة لدرجة لم يبلغ لها مثيل وعدّت علامة فارقة من علامات حمران العيون. تلك هي منظومة القيم غير السويّة التي نمّاها ورعاها عهد صالح الذي يمثل الصورة الأبرز للحكم القبلي والسيطرة المشائخية.
ويدرك المشائخ أن عامة السكان وخاصة فئات المتعلمين والمثقفين ينظرون نظرة سلبية الى النظام القبلي ودوره المعطل لتنمية المجتمع. يقول الشيخ عبدالله الأحمر: " النظرة السلبية الى القبيلة والتركيز ضدها لم يكن جديدا، لقد ابتدأ في الشمال والجنوب من بداية الثورة... لقد كانت مفاهيم المثقفين من بداية الثورة أن القبيلة ضد العلم وضد التقدم وضد النظام والقانون والتطور... وكانوا يرددون أن القبيلة هي التي ستقف حجرعثرة ضد الإصلاحات والتطور والتعليم " (مذكرات الشيخ عبدالله الأحمر، ص 312 ).
ولكن على الرغم من هذا الإدراك فإن مشائخ القبائل أخفقوا في تقديم صورة مخالفة تسند ادعاءهم في دعم بناء دولة النظام والقانون. ويعود ذلك في الأساس الى فلسفة الحكم التي يؤمنون بها كفكرة ويصدرون عنها كسلوك وهي التي تقوم على مفهوم أن الشيخ هو عين ُالدولة وأن القبيلي يدُ الدولة. وانطلاقا من هذا المفهوم فإنهم يعتبرون أنفسهم جزءا من جهاز الدولة مكملا له، وبالتالي فمن حقهم التمتع بصلاحيات الحكم والتدخل في شئون المواطنين والمجتمع.
يقول ناجي عبد العزيز الشائف شيخ قبيلة بكيل إنه وبقية المشائخ يقومون بواجب الدولة في حلّ مشاكل الناس وفضّ المنازعات، أي أنهم يتدخلون في شئون المواطنين ويبتـّون في القضايا ويصدرون الأحكام ويفرضون الغرامات ولديهم ميليشياتهم القبلية التي يعتبرونها يدَ الدولة بينما هي في الواقع أياديهم هم التي يبطشون بها، ولهم سجونهم الخاصة.. الخ. والشيخ الشائف لا يرى حرجا من التدخل في شئون المواطنين، ولايرى في ذلك عملا غيرقانوني، فدستورالبلاد لاينص على منح المشائخ دورا مثل هذا كما أن القوانين المعمول بها لا تخّول المشائخ القيام بصلاحيات أجهزة الدولة ومؤسساتها. والأدهى من ذلك أن الشائف يستنكر أن الدولة " بدلا من أن تقدر جهودنا في حل مشاكل الناس وفضّ المنازعات وإخماد الفتن بين القبائل، نجدها تتبنى حملات إساءة مستمرة ضد القبائل والمشائخ " (راجع صحيفة " الغد" ، صنعاء ، 2 مارس 2008).
مأزق الوحـدة مع الجنــوب
" كان الناس في خير وأمان الى أن بزغ قرن الشيطان من عدن ". بهذه الكلمات يلخص الشيخ عبدالله الأحمر حالة الخشية والقلق التي تنتاب المشائخ من رياح التغيير القادمة من عدن. وأثبتت الأحداث أن تشاؤم الشيخ في محله، وأنه كان ينظر بعيدا ويحس احساسا عميقا بالقادم من الأحداث. وقد شاءت الأقدار ألا ّ يغادر الشيخ الأحمر دنياه نهاية عام 2007 إلا وساحات وميادين عدن قد شرعت تزلزل الأرض تحت أقدام النظام القبلي.
لقد ظلت عدن بما تمثله من وهج ثقافي وحضاري وتجربة سياسية واجتماعية حديثة ونظام إداري عصري منذ الإستعمار البريطاني، تشكل على الدوام تحديا صعبا وعسيرا للأنظمة التقليدية في شمال اليمن. لكن التحدي الذي يواجهه النظام العسكري القبلي الراهن هو أشدّ وأصعب تلك التحديات وأخطرها على الإطلاق. إنه صنفٌ مختلفٌ عن صنوف التحديات السابقة، فهو من ذلك النوع الذي يقود الأنظمة المتخلفة عن حياة العصرالى الحتف والهلاك.
حين عرض الزعيم الجنوبي علي سالم البيض على ضيفه الشمالي علي عبدالله صالح فكرة تنفيذ وحدة اندماجية بين دولتيهما وجد منه قبولا سريعا. كان الضيف يقلـّب في ذهنه أفكارا مؤداها أن القيادة الجنوبية تفرّ من وضعها الراهن نحو الوحدة. لقد انهار الإتحاد السوفياتي وسقطت المنظومة الإشتراكية ولم يعد من داعم للنظام الجنوبي ولهذا سيكون من السهل الانقضاض على الجنوب وطرد قيادته والاستيلاء على ثرواته. وحين عاد الضيف الى بلاده بادر الى استدعاء أركان حكمه من مشائخ وضباط عسكريين ورجال دين ووضع معهم خطة العمل على عرقلة تنفيذ اتفاقيات الوحدة وخلق أزمة سياسية مع الشريك الجنوبي وصولا الى إعلان الحرب واكتساح الجنوب.
في بحث سابق عن القضية الجنوبية كنا قد استشهدنا للتدليل على هذا بما أورده الشيخ عبدالله الأحمر في مذكراته (ص248 - 249). ونستطيع اليوم أن نعزز استشهادنا بما كشف عنه نجل السلطان الجنوبي طارق بن ناصر الفضلي الذي كان يومها حليفا للنظام القبلي في الشمال ومطلعا على تفاصيل مخططه للإنقلاب على شركائه في الوحدة. يقول الشيخ الفضلي إن السلطة في الشمال كانت تعدّ للإنقلاب على شركائها الجنوبيين، ويضيف بصراحة ووضوح: " شهادتي للتاريخ، لم يكن الجنوبيون يعدون للإنفصال بل كانت سلطة صنعاء تعد ّ عدّتها للإنقلاب عليهم وكنت مشاركا به " ( "الوسط " ، صنعاء ، 13 مايو 2009).
لقد أطيحت القيادة الجنوبية عام 1994 ، وطردت الى خارج الحدود وسقط النظام السياسي وحُلّ جهاز الدولة العسكري والمدني والأمني. لكن منظومة قيم المجتمع المدني من ثقافة حكم تـُعلي من شأن المصالح العامة وتغرس وتصون مبادئ احترام النظام والقانون وتتيح الفرص المتساوية أمام أفراد المجتمع، وإدارة اقتصادية كفؤة ونزيهة تحقق الإستقرار المعيشي، ونظام قضائي عادل ونزيه يثق المواطن به ويفزع إليه، وجهاز إداري يتمتع بالكفاءة والبعد عن الرشوة والفساد، وأجهزة أمن ساهرة على حماية المواطنين وأمنهم ومصالحهم، وعلاقات اجتماعية ليبرالية تتميز بالوعي واحترام المصالح المتبادلة والانفتاح والاعتدال والبعد عن الغلو والتطرف.. كل هذه العناصر مجتمعة ومتحدة مع بعضها البعض إذ تغلغلت في وعي الشعب الجنوبي وشكلت ثقافته الوطنية التي نشأ وتربى عليها جيلا إثر جيل، أصبحت هي التحدي الحقيقي والعقبة الكأداء على ساحة الجنوب أمام النظام القبلي القادم من الشمال.
وماإن حلّ ربيع عام 2006 وانطلقت فكرة التصالح والتسامح من جمعية ردفان في مدينة عدن حتى استبشر الجنوبيون بقرب حلول ربيعهم الجنوبي. وشيئا فشيئا تقدمت جماهير الجنوب في حراكها المدني السلمي مطالبة بحقوقها وحريتها وأخذت مطالبها تنتقل من طور الى طور حتى تبلورت في صيغتها النهائية بإنهاء عقد الوحدة مع الشمال وفك الإرتباط واستعادة دولة الجنوب الوطنية.
لقد وضع هذا الحراكُ الشعبيُ السلميُ النظامَ العسكريَ القبليَ في مأزق تاريخي لم يشهد له مثيلا من قبل، وشل ّ قدرته على المواجهة، وأغلق أمامه فرص الخيارات، وأصبح طيفُ فكّ الإرتباط يلوح أمام قيادة النظام وهي عاجزة عن تقديم حلول ناجعة، وكلما أوغلت في تجاهل الحقوق المشروعة للجنوبيين والاعتراف بالمشكلة السياسية الناشئة جراء حرب 1994 واكتساح الجنوب، كلما زادت من اصرارهم على انتزاع حريتهم واستعادة دولتهم.
إن جوهر المأزق التاريخي الذي يعانيه النظام القبلي اليوم يكمن في أن النظام يواجه شعبا واعيا لحقوقه، حريصا على حريته، مدافعا عن كرامته، غيرَ قابل لأن يُحكَم بطريقة قبلية متخلفة أو يخضع لمشائخ ورموز حكم قدموا من أدغال التاريخ غارقين في الأنانية ينهبون أرضه ويقتسمون ثروته، وغيرَ مستعد لأن يفرّط في مستقبل أبنائه. وكان من نتائج هذا الوضع أن ضاقت الخيارات السياسية أمام النظام وأصبحت لا تتعدى أحد أمرين كنا قد أوجزناهما في بحث سابق عن القضية الجنوبية، ألا وهما فكُ الإرتباط مع الجنوب وعودة الأمور الى ماكانت عليه قبل عام 1990 ، أوتغييرُ النظام، وهذا مايشكل مضمون هذا المأزق التاريخي.
إن القبول بفك الإرتباط مع الجنوب ينطوي على فاجعة معنوية كبيرة للنظام كما يتضمن خسارة مادية هائلة ستؤدي الى خلق أزمة داخلية تطيح به. ولكي يتحاشا النظام هذا الخيار فإنه ينتظر دعما من المجتمع الإقليمي والدولي لنصرته والحفاظ على الوحدة. لكن كثيرا من الدول تبدي تحفظا على النظام ومع هذا فإنها إذا مارغبت في الحفاظ على الوحدة اليمنية انطلاقا من تقديرها أنها مكسبٌ لشعب اليمن في شماله وجنوبه وعاملٌ للإستقرار الإقليمي، فإن دعمها لن يكون مطلقا أو شيكا مفتوحا بل هو مشروط ٌ بتنفيذ اصلاحات سياسية تفضي الى بناء دولة النظام والقانون وهو مايعني القضاء على النظام القبلي وسيطرة المشائخ وتدخلهم في الحياة العامة دون سند قانوني وهذا هو التغيير الجذري الذي يتهدد النظام.
ومن نافل القول إن مأزق النظام القبلي لايقتصر على رئيسه أو حكومته وإنما يشمل أسسه المهددة بالقلع والإندثار، كما يشمل كافة أركانه من مشائخ وجنرالات جيش والمنتفعين من حولهم من رجال المؤسسة الدينية. ولهذا فإن أشدّ الأصوات تنديدا بسياسة الرئيس صالح من المشائخ وأبنائهم أورجال الدين وأتباعهم لايخالفونه الرأي ولا يشذون عنه في الموقف حين يدورالحديث عن الخيارين آنفي الذكر: فكّ الإرتباط مع الجنوب وتحريره من قبضتهم أو تنفيذ برنامج اصلاحات سياسية تضرب الفساد وتمنع انتشارالسلاح وتغلق السجون الخاصة وتفرض هيبة الدولة وتطبّق النظام والقانون.
وحـدة الصف الجنــوبي عامل حاسم لانتصار قضيتهم
إن المقاومة الصلبة التي تبديها جماهير الجنوب هي التي صنعت كل هذه التحولات ووضعت النظام القبلي لأول مرة في هذا الوضع القاتل. لقد أخطأت قيادة النظام وخابت آمال أركانه إذ ظنوا أن الجنوب لقمة ٌسائغة ٌسهلٌ ابتلاعُها. لقد نظروا الى الجنوب بأرضه الشاسعة وخيراته الواسعة من زاوية قلـّة سكانه فأغراهم سرابه وحسبوه ماءً، في حين غاب عنهم مايحتفظ به أهل الجنوب من تقاليد عصرية في الحكم والنظام والسلوك الإجتماعي، وما يمتازون به من كرامة وإباء وحرص على السيادة والاستقلال، وما يفخرون به من تجربة نضالية غنية. إن هذه المزايا مجتمعة قد خيبت آمال النظام القبلي الشمالي وقلبت كل الموازين وضاعفت من كلفة الوحدة مع الجنوب. لقد استحال الجنوبُ الى سوط يلسع ظهرَ النظام فيدفعه للمضي قدما نحو الإصلاح والسير الى الأمام. فقد اضطر النظام لأول مرة في التاريخ اليمني أن يجري انتخابات لحكام المحافظات وهذه خطوة تطوي تاريخا كاملا ولا يمكن تقدير عمقها وإدراك أهميتها إلا إذا ماعرفنا أن منطقة مثل تهامة تحظى لأول مرة بحاكم من أبنائها منذ تأسيس المملكة المتوكلية عام 1918 وحتى اليوم.
ياله من انتصار عظيم يسطـّره الحراك الجنوبي! لقد أضحى هذا الحراك يلعب دور قاطرة التحولات السياسية التاريخية، ويقف بالمرصاد أمام سياسة النظام القبلي. ففي الوقت الذي يعمد فيه المشائخ لنشر ثقافتهم وتوطيد أسس حكمهم من خلال تنصيب سلسلة من المشائخ وعقال الحارات في مختلف مناطق الجنوب وحتى في إحياء عدن، المدينة الكسموبوليتية، نجد الحراك الجنوبي يرغمهم على التخلي عن سلطة تعيين المحافظين وينتزع بقوة الجماهير الجنوبية تلك السلطة من أيديهم انتزاعا.
ولم تقف المسألة عند هذا الحد، فبفضل صمود ومقاومة شعب الجنوب يجد النظام القبلي نفسه مضطرا لتنفيذ خطوات أخرى أهمها انتخاب قيادات الوحدات الإدارية الأدنى، وهذه كلها إجراءات تحدّ من تسلط النظام وتضعف من سيطرة العسكر وكبارالمشائخ المطلقة على الحكم وتنهي الى الأبد مزية تمتعهم بإرسال أبنائهم لحكم عموم محافظات الجمهورية في صورة مدراء نواحي وقادة عسكريين ومدراء أمن وبحث جنائي.. الخ، وتنقل سلطة تعيين مسئولي الوحدات الإدارية الى أفراد الشعب من الناخبين. وأمام أمواج الحراك الجنوبي الهائجة اضطر النظام الى تأجيل الانتخابات العامة في البلاد مطلع هذا العام الى مابعد سنتين فانكشفت عورته أمام العالم الخارجي وظهر عجزه عن الاستمرار في الحكم بطرائقه السابقة.
نعم، لقد أصبحت الوحدة مع الجنوب مكلفة وتهدد النظام بفقدان السيطرة المطلقة ليس فقط على الجنوب وإنما على الشمال أيضا. وإذا كان الرئيس الجنوبي علي البيض قد شعر أنه نـُصبَ له فخٌ تاريخي بإعلان الوحدة مع الشمال، فإن شعبه قد انتصر له وأحال الوحدة َ فخا للنظام القبلي يبحث اليوم جاهدا عن طريق الخروج منه والخلاص من كلفته. إن هذا الإنتصار يرتب على البيض الذي خرج عن صمته وأعلن استعداده لقيادة نضال شعبه، مسئوليات جسيمة يأتي على رأسها العمل بكل طاقته على توحيد القيادة الجنوبية في الداخل والخارج مع مايترتب على ذلك من خفض جناحه لرفاق دربه وشركائه في القيادة. كما أن من مسئولياته وزملائه رفع مستوى كفاءة العمل والتخطيط السليم لايصال قضية شعبهم العادلة الى كافة المحافل الاقليمية والدولية وكسب مناصرين لنضال شعبهم السلمي.
إن شعب الجنوب الذي يقدم القرابين من أبنائه على مذبح الحرية والسيادة، يتطلع الى القادة من رجاله لأن يوحدوا صفوفهم ويتغلبوا على صفحات الماضي فذلك هو طريقهم الوحيد للتكفيرعن اخفاقات نظامهم السابق وغسل أوزاره. لقد منحهم التاريخ فرصة جديدة لأن يسطروا أسماءهم ناصعة في تاريخ شعبهم، كما منحهم شعبهم قيادات ميدانية شجاعة تخوض غمار التحديات. والى جانب القادة رواد الحراك الذين شقوا دروبه الوعرة ورفعوا رايته عاليا من أمثال السقاف وباعوم وباقيس وباسنيد والنوبة والسعدي وبن يحيى وغالب وطماح وبن فريد والمعطري وحويدر والخبجي والعولقي وحقيس وعكوش والشنفرة والقمع وصالح والشيبة وشائع وحمزة وعبادي والعسل والقنع وغيرهم، فقد رفدهم شعبهم بقادة جدد ممن تسكن في أعماقهم روح الإباء والكرامة وتهفو نفوسهم الى الإستقلال والحرية من أمثال الشيخ الفضلي والشيخ النقيب وباشراحيل والعشرات من أكاديميين ومثقفين وصحافيين وغيرهم.
إن جميع القادة الجنوبيين وفي مقدمتهم البيض وناصر والعطاس مطالبون أن ينجزوا وعدَ شعبهم بالتحرر والديمقراطية والانطلاق نحو مستقبل واعد بالتنمية والرخاء والازدهار.
الجدير بالذكر هو أن تيار المستقلين الجنوبيين قد وجه رسالة شكر للكاتب من قبل تقديراً لكتاباته عن القضية الجنوبية حيث يمكن الإطلاع على الرسالة من هنا
شكراً سيد كريجر!
بقلم: باتريك كريجر
"كان الناسُ في خيرٍ وأمان الى أن بزغ قرن ُ الشيطان من عدن"
الشيخ عبدالله حسين الأحمرالمشائخ وسعيهم نحو السيطرة على السلطة
فتحت ثورة سبتمبر1962 أمام مشائخ القبائل آفاق التطلع الى المساهمة في صناعة القرار السياسي بعد أن كان ذلك بعيد المنال إبان العهد الملكي. ففي عهد الإمام يحيى حميد الدين ثم في عهد نجله الإمام أحمد لم يكن أمام المشائخ سوى السجون والمعتقلات وهدم البيوت والتشرد وجزّ الرقاب. وحين قامت ثورة 1962 كان الكثير من المشائخ إما في السجون أو هاربين من قبضة الإمام أو مشردين في شتى البقاع.
ومنذ الأيام الأولى للثورة ونظرا لغياب جيش وطني حديث وجد قادة الثورة أنفسهم في حاجة لحشد وتعبئة القوى الشعبية من مختلف المناطق وكذا جذب واستمالة المشائخ الى صفهم مع أفراد قبائلهم للدفاع عن الثورة ومواجهة القوى الملكية خشية سقوط النظام الوليد على أيدي القبائل المعادية.
كتب عبدالرحمن الإرياني في الأسابيع الأولى لاندلاع الثورة الى آلـ " أبو لحوم " من قبيلة بكيل يحثهم على سرعة وصول الشيخ سنان أبو لحوم قائلا: " نحن في انتظار سماع صوت النقيب سنان من الإذاعة " (مذكرات سنان أبولحوم. اليمن حقائق ووثائق عشتها.مؤسسة العفيف، صنعاء، الجزء الثاني ، ص 33). وكان ذلك تعبيرا عن الحاجة الملحة لاستمالة المشائخ والوجهاء وكسب ولاء قبائلهم للصف الجمهوري.
لكن هؤلاء المشائخ الذين كان السياسيون ينتظرون سماع صوتهم من الإذاعة، ويطلبون دعمهم ومساندتهم ، سرعان ماتملكهم الشعور بأن الثورة ملك ٌلهم وأنها لم تقم الا من أجلهم كثار شخصي لما حلّ بهم على يد النظام الملكي، وأنهم هم المعنيون دون غيرهم من الشعب اليمني بحراسة النظام الجمهوري. يقول الشيخ عبدالله حسين الأحمر:" كان أبناء حاشد الذين كنت أقودهم هم جيش الثورة... وكان الشعور لدى قبائل حاشد مشائخ وأفرادا أنهم مسئولون عن حماية الثورة وأن الثورة ثورتهم ، وهذا الإحساس تولد لدى حاشد نتيجة لما أصيبوا به عندما استشهد الوالد والأخ حميد وما نالهم من الإهانة والمعاناة، كل هذا أوجد عندهم شعور أن الثورة ماقامت الا كرد فعل رسمي وشعبي لما حدث وأن أهم عوامل قيامها هو ماحل بحاشد ومشائخها، وانطلاقا من هذا الإحساس والشعور أصبحت لديهم قناعة أنهم مسئولون عن حماية الثورة وأن ذلك يهمهم ويخصهم أكثر من غيرهم. وهذا الفهم كان موجودا لدى بعض الذين كانوا يحاربون الثورة من القبائل الأخرى، حيث كانوا يعتبرون أن الثورة هي ثورة حاشد" (مذكرات الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، الآفاق للطباعة والنشر، صنعاء، 2007 ، ص 85-87)
ونظرا لتخلف تركيبة المجتمع اليمني وغلبة البنية الريفية – القبلية عليه ومحدودية حجم المدينة وضعف مساهمتها في النشاط الاقتصادي وما ترتب عليه من غياب قوى سياسية جماهيرية منظمة وفاعلة، وجدت تجمعات المشائخ الأكثر تنظيما والمستندة الى قوى قبلية المجال مهيئا لملء ذلك الفراغ. وهكذا تطلع المشائخ للعب دور سياسي فاعل وامتلاك حق تقرير مصير النظام والتحكم في ثروات البلد وتحديد مستقبله. وقد وجد ذلك انعكاسا جزئيا في تشكيل الهيئات الحكومية منذ العام الأول للنظام الجديد حيث تشكل مجلس للشيوخ ثم تشكل في ابريل من عام 1963 مجلس رئاسة كان للمشائخ فيه حضور كبير.
لكن تطلع المشائخ السياسي اصطدم فعليا بالتواجد العسكري المصري في اليمن وتأثيره على القرار السياسي. ولهذا ناصب المشائخ الحضور المصري العداء إذ كانوا يرون في السياسات المصرية في اليمن عنصر تهديد لهم كزعماء قبائل وأن المصريين يعتبرونهم عقبة أمام تطور اليمن بل رأوا أن المصريين يعدون خطة لفرم مشائخ اليمن كما فرموا العمد في صعيد مصر. ( مذكرات الشيخ عبدالله الأحمر، ص 312 ). وقد تمكن المشائخ عبر سلسلة من معارك الكرّ والفرّ مع المصريين وقيادة النظام الوليد، وما لحق بمصر من هزيمة على يد إسرائيل في يونيو 1967 ، من تصفية التواجد العسكري المصري ثم اسقاط نفوذه السياسي من خلال الإطاحة بحكومة الرئيس السلال في شهر نوفمبر من العام ذاته. كما كان من عوامل ضعف المشائخ آنذاك تمزق القبائل بين المعسكرين الجمهوري والملكي. وفي العام 1970 تمكن المشائخ من توحيد صفوفهم من خلال المصالحة التي تمت بين من يقف منهم في الصف الجمهوري ومن يقف في الصف الملكي.
المشـائخ ومفهـوم بنـاء الـدولة
الشعب، الأمة، الوطن، الدولة، الدستور، البرلمان، الحكومة، القانون، المؤسسات، الجيش، جهاز الأمن، التخطيط، التنمية - كلمات قلما تجدها في مذكرات المشائخ، بينما تطغى مفردات مثل الشيخ، القبيلة، أبناء المشائخ، العرف، التحكيم القبلي، السلاح، النقود على كامل صفحات تلك المذكرات. وهذا ينبيء لاشك عن مستوى وعي العقلية القبلية وحدود فهمها لطبيعة الدولة و بنائها وتركيبتها الدستورية والقانونية. السلطة العليا في الدولة، وفقا لعقلية القبيلة، مناطة بمجلس غير دستوري يتكون من زمرة محدودة من كبار المشائخ الذين يشكلون القيادة الفعلية ويرون من حقهم تقرير الوضع السياسي في البلد وكيفية تقاسم وتوزيع ثرواته. الدستور، البرلمان، الحكومة، القوانين، كل هذا مجرد رداء ديكوري يـُخلع على السلطة القبلية كي تظهر في المظهر القانوني المناسب، أما في حقيقة الأمر فإن إدارة النظام تقوم على التدخل الشخصي من جانب زمرة المشائخ في كل القضايا الكبرى في البلد سياسية واقتصادية واجتماعية سواء كان لهم مناصب رسمية في جهاز الدولة وصفة دستورية تخوّل لهم ذلك التدخل أو لم يكن.
يتحدث الشيخ عبدالله الأحمر عن دوره فيقول: قناعتي الثابتة منذ بداية الثورة أنني أعتبر نفسي المحامي على الثورة والجمهورية سواء من خلال منصب رسمي أو غير رسمي أو من خارج المنصب" (مذكرات الشيخ عبدالله الأحمر، ص 139-140). وبما أن الثورة ثورة حاشد و زعيم حاشد الشيخ عبدالله المحامي عنها فهو يعطي الحق لنفسه ولأقرانه من كبار المشائخ التدخل في كل صغيرة وكبيرة وتصحيح أية سياسات يرونها من وجهة نظرهم تمس بالثورة والجمهورية.
في روايته لطريقة الانقلاب على حكومة عبدالرحمن الارياني يقول الشيخ الأحمر إنه تمّ التخطيط لحركة 13 يونيو 1974 من قبل الشيخ سنان أبو لحوم والشيخ أحمد علي المطري والشيخ مجاهد أبو شوارب ومحمد أبولحوم وعلي أبولحوم الى جانب ابراهيم الحمدي ، ثم أبلغوه بالرأي الذي اتفقوا عليه والذي قد أصبح قرارا بانتظار موافقته عليه باعتباره طبعا شيخا لقبيلة حاشد لارئيسا لمجلس الشورى ( المذكرات ، ص 209-210 ).
من هذه الصورة تتناسل بقية صور تسيير شئون الدولة، فعامل القوة هو العامل الرئيس في توزيع ثروات البلاد وخيراتها وليس خطط وبرامج التنمية والاحتياجات السكانية.. الخ . فالقبيلة الأقوى هي التي يحظى مشائخها بالنصيب الأوفر من السلطة والنفوذ والثروات والمغانم ويتمتع أبناؤها بالمناصب العسكرية والأمنية والمدنية تليها القبيلة الأدنى فالأدنى.
يروي سنان أبو لحوم أن السعوديين اعتمدوا مبلغا من المال وطـُلب منه تقسيمه فيقول : " قسّمت المبالغ على القبائل كل حسب حجمها... وخصصنا لحاشد ثلث المبلغ أي للشيخ عبدالله بن حسين الأحمر وأصحابه حاشد " (مذكرات سنان أبو لحوم ، الجزء الثاني ، ص 148-149 ).
أما المحافظات التي ضعفت وتفككت فيها البنية القبلية بحكم غلبة الطابع المدني عليها فهي بعيدة عن التمثيل الفعلي في السلطة وفي صنع القرار السياسي، ومواطنوها محرومون من التمتع بأية مراكز عسكرية أو وظائف مدنية ذات معنى، كما أن أراضيها وثرواتها تعتبر مرتعا للنهب والسلب من جانب أصحاب النفوذ القبلي العسكري.
ومن بين مراحل النظام الجمهوري تعتبر فترة الرئيس علي عبد الله صالح التي امتدت منذ عام 1978 وحتى اليوم هي الفترة التي سقطت فيها البلد في يد القبيلة. وخلال هذه الفترة تجلت الصورة الإجتماعية الأكثر بؤسا والأشد بشاعة لغياب الدولة إذ ْ قذف القانون والنظام بعيدا عن حياة المجتمع لتحل محله الأعراف القبلية وأهمها نظام التحكيم في ظل شريعة الغاب حيث الحق دائما للأقوى، وعلى قاعدة انهيار منظومة القيم الأخلاقية بل والدينية فالدين الإسلامي يحث أتباعه على الزهد والورع والعدل وتقوى الله وتجنب الاعتداء على حقوق الغير الخاصة والعامة. لكن النظام القبلي في عهد صالح ابتعد عن كل ذلك مشكلا ً منظومته الخاصة من المفاهيم والقيم المنحرفة حيث صار بلوغ الثراء السريع واكتناز الأموال هما الغاية التي تسفك من أجلها الدماء، وتنهار صروح الصدق والأمانة والعهود، ومن أجلها يجري نهب المال العام من ثابتٍ ومنقول على قدم وساق، والإعتداء على الممتلكات الخاصة للضعفاء، ومزاحمة أرباب التجارة ورجال الأعمال اعتمادا على القوة والنفوذ، وانتزاع الحقوق التجارية من أربابها مثل وكالات الشركات الأجنبية وغيرها انتزاعا بالقوة. وفي عهد صالح انهارت قيم العلم والحث على طلبه، واكتساب العمل الشريف والحث على اتقانه واعتمادهما أساسا لتطور الفرد ورقيّه، وحلت محلهما قيم الخداع والنفاق والتزلف وانتشار الرشوة وسلوك العصابات واستفحلت ظاهرة الرشوة والمحسوبية والمحاباة لدرجة لم يبلغ لها مثيل وعدّت علامة فارقة من علامات حمران العيون. تلك هي منظومة القيم غير السويّة التي نمّاها ورعاها عهد صالح الذي يمثل الصورة الأبرز للحكم القبلي والسيطرة المشائخية.
ويدرك المشائخ أن عامة السكان وخاصة فئات المتعلمين والمثقفين ينظرون نظرة سلبية الى النظام القبلي ودوره المعطل لتنمية المجتمع. يقول الشيخ عبدالله الأحمر: " النظرة السلبية الى القبيلة والتركيز ضدها لم يكن جديدا، لقد ابتدأ في الشمال والجنوب من بداية الثورة... لقد كانت مفاهيم المثقفين من بداية الثورة أن القبيلة ضد العلم وضد التقدم وضد النظام والقانون والتطور... وكانوا يرددون أن القبيلة هي التي ستقف حجرعثرة ضد الإصلاحات والتطور والتعليم " (مذكرات الشيخ عبدالله الأحمر، ص 312 ).
ولكن على الرغم من هذا الإدراك فإن مشائخ القبائل أخفقوا في تقديم صورة مخالفة تسند ادعاءهم في دعم بناء دولة النظام والقانون. ويعود ذلك في الأساس الى فلسفة الحكم التي يؤمنون بها كفكرة ويصدرون عنها كسلوك وهي التي تقوم على مفهوم أن الشيخ هو عين ُالدولة وأن القبيلي يدُ الدولة. وانطلاقا من هذا المفهوم فإنهم يعتبرون أنفسهم جزءا من جهاز الدولة مكملا له، وبالتالي فمن حقهم التمتع بصلاحيات الحكم والتدخل في شئون المواطنين والمجتمع.
يقول ناجي عبد العزيز الشائف شيخ قبيلة بكيل إنه وبقية المشائخ يقومون بواجب الدولة في حلّ مشاكل الناس وفضّ المنازعات، أي أنهم يتدخلون في شئون المواطنين ويبتـّون في القضايا ويصدرون الأحكام ويفرضون الغرامات ولديهم ميليشياتهم القبلية التي يعتبرونها يدَ الدولة بينما هي في الواقع أياديهم هم التي يبطشون بها، ولهم سجونهم الخاصة.. الخ. والشيخ الشائف لا يرى حرجا من التدخل في شئون المواطنين، ولايرى في ذلك عملا غيرقانوني، فدستورالبلاد لاينص على منح المشائخ دورا مثل هذا كما أن القوانين المعمول بها لا تخّول المشائخ القيام بصلاحيات أجهزة الدولة ومؤسساتها. والأدهى من ذلك أن الشائف يستنكر أن الدولة " بدلا من أن تقدر جهودنا في حل مشاكل الناس وفضّ المنازعات وإخماد الفتن بين القبائل، نجدها تتبنى حملات إساءة مستمرة ضد القبائل والمشائخ " (راجع صحيفة " الغد" ، صنعاء ، 2 مارس 2008).
مأزق الوحـدة مع الجنــوب
" كان الناس في خير وأمان الى أن بزغ قرن الشيطان من عدن ". بهذه الكلمات يلخص الشيخ عبدالله الأحمر حالة الخشية والقلق التي تنتاب المشائخ من رياح التغيير القادمة من عدن. وأثبتت الأحداث أن تشاؤم الشيخ في محله، وأنه كان ينظر بعيدا ويحس احساسا عميقا بالقادم من الأحداث. وقد شاءت الأقدار ألا ّ يغادر الشيخ الأحمر دنياه نهاية عام 2007 إلا وساحات وميادين عدن قد شرعت تزلزل الأرض تحت أقدام النظام القبلي.
لقد ظلت عدن بما تمثله من وهج ثقافي وحضاري وتجربة سياسية واجتماعية حديثة ونظام إداري عصري منذ الإستعمار البريطاني، تشكل على الدوام تحديا صعبا وعسيرا للأنظمة التقليدية في شمال اليمن. لكن التحدي الذي يواجهه النظام العسكري القبلي الراهن هو أشدّ وأصعب تلك التحديات وأخطرها على الإطلاق. إنه صنفٌ مختلفٌ عن صنوف التحديات السابقة، فهو من ذلك النوع الذي يقود الأنظمة المتخلفة عن حياة العصرالى الحتف والهلاك.
حين عرض الزعيم الجنوبي علي سالم البيض على ضيفه الشمالي علي عبدالله صالح فكرة تنفيذ وحدة اندماجية بين دولتيهما وجد منه قبولا سريعا. كان الضيف يقلـّب في ذهنه أفكارا مؤداها أن القيادة الجنوبية تفرّ من وضعها الراهن نحو الوحدة. لقد انهار الإتحاد السوفياتي وسقطت المنظومة الإشتراكية ولم يعد من داعم للنظام الجنوبي ولهذا سيكون من السهل الانقضاض على الجنوب وطرد قيادته والاستيلاء على ثرواته. وحين عاد الضيف الى بلاده بادر الى استدعاء أركان حكمه من مشائخ وضباط عسكريين ورجال دين ووضع معهم خطة العمل على عرقلة تنفيذ اتفاقيات الوحدة وخلق أزمة سياسية مع الشريك الجنوبي وصولا الى إعلان الحرب واكتساح الجنوب.
في بحث سابق عن القضية الجنوبية كنا قد استشهدنا للتدليل على هذا بما أورده الشيخ عبدالله الأحمر في مذكراته (ص248 - 249). ونستطيع اليوم أن نعزز استشهادنا بما كشف عنه نجل السلطان الجنوبي طارق بن ناصر الفضلي الذي كان يومها حليفا للنظام القبلي في الشمال ومطلعا على تفاصيل مخططه للإنقلاب على شركائه في الوحدة. يقول الشيخ الفضلي إن السلطة في الشمال كانت تعدّ للإنقلاب على شركائها الجنوبيين، ويضيف بصراحة ووضوح: " شهادتي للتاريخ، لم يكن الجنوبيون يعدون للإنفصال بل كانت سلطة صنعاء تعد ّ عدّتها للإنقلاب عليهم وكنت مشاركا به " ( "الوسط " ، صنعاء ، 13 مايو 2009).
لقد أطيحت القيادة الجنوبية عام 1994 ، وطردت الى خارج الحدود وسقط النظام السياسي وحُلّ جهاز الدولة العسكري والمدني والأمني. لكن منظومة قيم المجتمع المدني من ثقافة حكم تـُعلي من شأن المصالح العامة وتغرس وتصون مبادئ احترام النظام والقانون وتتيح الفرص المتساوية أمام أفراد المجتمع، وإدارة اقتصادية كفؤة ونزيهة تحقق الإستقرار المعيشي، ونظام قضائي عادل ونزيه يثق المواطن به ويفزع إليه، وجهاز إداري يتمتع بالكفاءة والبعد عن الرشوة والفساد، وأجهزة أمن ساهرة على حماية المواطنين وأمنهم ومصالحهم، وعلاقات اجتماعية ليبرالية تتميز بالوعي واحترام المصالح المتبادلة والانفتاح والاعتدال والبعد عن الغلو والتطرف.. كل هذه العناصر مجتمعة ومتحدة مع بعضها البعض إذ تغلغلت في وعي الشعب الجنوبي وشكلت ثقافته الوطنية التي نشأ وتربى عليها جيلا إثر جيل، أصبحت هي التحدي الحقيقي والعقبة الكأداء على ساحة الجنوب أمام النظام القبلي القادم من الشمال.
وماإن حلّ ربيع عام 2006 وانطلقت فكرة التصالح والتسامح من جمعية ردفان في مدينة عدن حتى استبشر الجنوبيون بقرب حلول ربيعهم الجنوبي. وشيئا فشيئا تقدمت جماهير الجنوب في حراكها المدني السلمي مطالبة بحقوقها وحريتها وأخذت مطالبها تنتقل من طور الى طور حتى تبلورت في صيغتها النهائية بإنهاء عقد الوحدة مع الشمال وفك الإرتباط واستعادة دولة الجنوب الوطنية.
لقد وضع هذا الحراكُ الشعبيُ السلميُ النظامَ العسكريَ القبليَ في مأزق تاريخي لم يشهد له مثيلا من قبل، وشل ّ قدرته على المواجهة، وأغلق أمامه فرص الخيارات، وأصبح طيفُ فكّ الإرتباط يلوح أمام قيادة النظام وهي عاجزة عن تقديم حلول ناجعة، وكلما أوغلت في تجاهل الحقوق المشروعة للجنوبيين والاعتراف بالمشكلة السياسية الناشئة جراء حرب 1994 واكتساح الجنوب، كلما زادت من اصرارهم على انتزاع حريتهم واستعادة دولتهم.
إن جوهر المأزق التاريخي الذي يعانيه النظام القبلي اليوم يكمن في أن النظام يواجه شعبا واعيا لحقوقه، حريصا على حريته، مدافعا عن كرامته، غيرَ قابل لأن يُحكَم بطريقة قبلية متخلفة أو يخضع لمشائخ ورموز حكم قدموا من أدغال التاريخ غارقين في الأنانية ينهبون أرضه ويقتسمون ثروته، وغيرَ مستعد لأن يفرّط في مستقبل أبنائه. وكان من نتائج هذا الوضع أن ضاقت الخيارات السياسية أمام النظام وأصبحت لا تتعدى أحد أمرين كنا قد أوجزناهما في بحث سابق عن القضية الجنوبية، ألا وهما فكُ الإرتباط مع الجنوب وعودة الأمور الى ماكانت عليه قبل عام 1990 ، أوتغييرُ النظام، وهذا مايشكل مضمون هذا المأزق التاريخي.
إن القبول بفك الإرتباط مع الجنوب ينطوي على فاجعة معنوية كبيرة للنظام كما يتضمن خسارة مادية هائلة ستؤدي الى خلق أزمة داخلية تطيح به. ولكي يتحاشا النظام هذا الخيار فإنه ينتظر دعما من المجتمع الإقليمي والدولي لنصرته والحفاظ على الوحدة. لكن كثيرا من الدول تبدي تحفظا على النظام ومع هذا فإنها إذا مارغبت في الحفاظ على الوحدة اليمنية انطلاقا من تقديرها أنها مكسبٌ لشعب اليمن في شماله وجنوبه وعاملٌ للإستقرار الإقليمي، فإن دعمها لن يكون مطلقا أو شيكا مفتوحا بل هو مشروط ٌ بتنفيذ اصلاحات سياسية تفضي الى بناء دولة النظام والقانون وهو مايعني القضاء على النظام القبلي وسيطرة المشائخ وتدخلهم في الحياة العامة دون سند قانوني وهذا هو التغيير الجذري الذي يتهدد النظام.
ومن نافل القول إن مأزق النظام القبلي لايقتصر على رئيسه أو حكومته وإنما يشمل أسسه المهددة بالقلع والإندثار، كما يشمل كافة أركانه من مشائخ وجنرالات جيش والمنتفعين من حولهم من رجال المؤسسة الدينية. ولهذا فإن أشدّ الأصوات تنديدا بسياسة الرئيس صالح من المشائخ وأبنائهم أورجال الدين وأتباعهم لايخالفونه الرأي ولا يشذون عنه في الموقف حين يدورالحديث عن الخيارين آنفي الذكر: فكّ الإرتباط مع الجنوب وتحريره من قبضتهم أو تنفيذ برنامج اصلاحات سياسية تضرب الفساد وتمنع انتشارالسلاح وتغلق السجون الخاصة وتفرض هيبة الدولة وتطبّق النظام والقانون.
وحـدة الصف الجنــوبي عامل حاسم لانتصار قضيتهم
إن المقاومة الصلبة التي تبديها جماهير الجنوب هي التي صنعت كل هذه التحولات ووضعت النظام القبلي لأول مرة في هذا الوضع القاتل. لقد أخطأت قيادة النظام وخابت آمال أركانه إذ ظنوا أن الجنوب لقمة ٌسائغة ٌسهلٌ ابتلاعُها. لقد نظروا الى الجنوب بأرضه الشاسعة وخيراته الواسعة من زاوية قلـّة سكانه فأغراهم سرابه وحسبوه ماءً، في حين غاب عنهم مايحتفظ به أهل الجنوب من تقاليد عصرية في الحكم والنظام والسلوك الإجتماعي، وما يمتازون به من كرامة وإباء وحرص على السيادة والاستقلال، وما يفخرون به من تجربة نضالية غنية. إن هذه المزايا مجتمعة قد خيبت آمال النظام القبلي الشمالي وقلبت كل الموازين وضاعفت من كلفة الوحدة مع الجنوب. لقد استحال الجنوبُ الى سوط يلسع ظهرَ النظام فيدفعه للمضي قدما نحو الإصلاح والسير الى الأمام. فقد اضطر النظام لأول مرة في التاريخ اليمني أن يجري انتخابات لحكام المحافظات وهذه خطوة تطوي تاريخا كاملا ولا يمكن تقدير عمقها وإدراك أهميتها إلا إذا ماعرفنا أن منطقة مثل تهامة تحظى لأول مرة بحاكم من أبنائها منذ تأسيس المملكة المتوكلية عام 1918 وحتى اليوم.
ياله من انتصار عظيم يسطـّره الحراك الجنوبي! لقد أضحى هذا الحراك يلعب دور قاطرة التحولات السياسية التاريخية، ويقف بالمرصاد أمام سياسة النظام القبلي. ففي الوقت الذي يعمد فيه المشائخ لنشر ثقافتهم وتوطيد أسس حكمهم من خلال تنصيب سلسلة من المشائخ وعقال الحارات في مختلف مناطق الجنوب وحتى في إحياء عدن، المدينة الكسموبوليتية، نجد الحراك الجنوبي يرغمهم على التخلي عن سلطة تعيين المحافظين وينتزع بقوة الجماهير الجنوبية تلك السلطة من أيديهم انتزاعا.
ولم تقف المسألة عند هذا الحد، فبفضل صمود ومقاومة شعب الجنوب يجد النظام القبلي نفسه مضطرا لتنفيذ خطوات أخرى أهمها انتخاب قيادات الوحدات الإدارية الأدنى، وهذه كلها إجراءات تحدّ من تسلط النظام وتضعف من سيطرة العسكر وكبارالمشائخ المطلقة على الحكم وتنهي الى الأبد مزية تمتعهم بإرسال أبنائهم لحكم عموم محافظات الجمهورية في صورة مدراء نواحي وقادة عسكريين ومدراء أمن وبحث جنائي.. الخ، وتنقل سلطة تعيين مسئولي الوحدات الإدارية الى أفراد الشعب من الناخبين. وأمام أمواج الحراك الجنوبي الهائجة اضطر النظام الى تأجيل الانتخابات العامة في البلاد مطلع هذا العام الى مابعد سنتين فانكشفت عورته أمام العالم الخارجي وظهر عجزه عن الاستمرار في الحكم بطرائقه السابقة.
نعم، لقد أصبحت الوحدة مع الجنوب مكلفة وتهدد النظام بفقدان السيطرة المطلقة ليس فقط على الجنوب وإنما على الشمال أيضا. وإذا كان الرئيس الجنوبي علي البيض قد شعر أنه نـُصبَ له فخٌ تاريخي بإعلان الوحدة مع الشمال، فإن شعبه قد انتصر له وأحال الوحدة َ فخا للنظام القبلي يبحث اليوم جاهدا عن طريق الخروج منه والخلاص من كلفته. إن هذا الإنتصار يرتب على البيض الذي خرج عن صمته وأعلن استعداده لقيادة نضال شعبه، مسئوليات جسيمة يأتي على رأسها العمل بكل طاقته على توحيد القيادة الجنوبية في الداخل والخارج مع مايترتب على ذلك من خفض جناحه لرفاق دربه وشركائه في القيادة. كما أن من مسئولياته وزملائه رفع مستوى كفاءة العمل والتخطيط السليم لايصال قضية شعبهم العادلة الى كافة المحافل الاقليمية والدولية وكسب مناصرين لنضال شعبهم السلمي.
إن شعب الجنوب الذي يقدم القرابين من أبنائه على مذبح الحرية والسيادة، يتطلع الى القادة من رجاله لأن يوحدوا صفوفهم ويتغلبوا على صفحات الماضي فذلك هو طريقهم الوحيد للتكفيرعن اخفاقات نظامهم السابق وغسل أوزاره. لقد منحهم التاريخ فرصة جديدة لأن يسطروا أسماءهم ناصعة في تاريخ شعبهم، كما منحهم شعبهم قيادات ميدانية شجاعة تخوض غمار التحديات. والى جانب القادة رواد الحراك الذين شقوا دروبه الوعرة ورفعوا رايته عاليا من أمثال السقاف وباعوم وباقيس وباسنيد والنوبة والسعدي وبن يحيى وغالب وطماح وبن فريد والمعطري وحويدر والخبجي والعولقي وحقيس وعكوش والشنفرة والقمع وصالح والشيبة وشائع وحمزة وعبادي والعسل والقنع وغيرهم، فقد رفدهم شعبهم بقادة جدد ممن تسكن في أعماقهم روح الإباء والكرامة وتهفو نفوسهم الى الإستقلال والحرية من أمثال الشيخ الفضلي والشيخ النقيب وباشراحيل والعشرات من أكاديميين ومثقفين وصحافيين وغيرهم.
إن جميع القادة الجنوبيين وفي مقدمتهم البيض وناصر والعطاس مطالبون أن ينجزوا وعدَ شعبهم بالتحرر والديمقراطية والانطلاق نحو مستقبل واعد بالتنمية والرخاء والازدهار.
معهـد العلاقـات الدوليـة – برمنجهـام
المملكـة المتحـدة
الجدير بالذكر هو أن تيار المستقلين الجنوبيين قد وجه رسالة شكر للكاتب من قبل تقديراً لكتاباته عن القضية الجنوبية حيث يمكن الإطلاع على الرسالة من هنا
شكراً سيد كريجر!
No comments:
Post a Comment