بعد إنضمام الفضلي ومشائخ آخرين إلى قيادات الحراك المتعددة واغلبها عسكريون متقاعدون، ارتسمت معالم مشروع الحراك الجنوبي كاستنساخ للنظام العسقبلي الشمالي المنشأ الذي يقوده تحالف من العسكريين وشيوخ القبائل... وكأنك يا بو زيد ما غزيت.
وعندما يصبح الإحساس بضياع المستقبل أكثر حدة، وعندما تمارس المتناقضات والانقسامات على نطاق واسع، ينتقل الناس إلى التعلق بحالة يوتوبية، لأنها الشكل التقليدي لبعث الحيوية والأمل، وهو هنا الانفصال او الاستقلال. ولهذا سأبدأ تأملاتي بفرضية (يوتوبية) مثالية.
تقول الفرضية: إن السلطة قد أصبحت مستعدة للذهاب إلى حد القبول بحق تقرير المصير للشعب في الجنوب وهذا يستلزم طرفا جنوبيا مفاوضا، فمن هو؟
فالحراك الجنوبي ليست له حتى اليوم قيادة موحدة معترف بها، تمتلك الشرعية الضرورية للتفاوض باسم الشعب حول القضية الجنوبية. وصحيح أن هناك ممثلين منتخبين للشعب في الجنوب في مجلس النواب والمجالس المحلية القائمة، ينتمون في معظمهم للمؤتمر الشعبي العام، وقليل منهم ينتمون إلى اللقاء المشترك، وبعضهم منخرط في الحراك، وهناك إمكانية لانخراطهم جميعا في الحراك إذا رأوا أن هناك فرصة لتحقيق أهدافه. ولكن تمثيلهم للحراك، حتى لو انخرطوا فيه، يحتاج إلى إجماع شعبي صعب التحقق على اعتبار أن شرعية تمثيلهم مشكوك فيها بسبب ما شاب الانتخابات من ممارسات فاسدة، ناهيك عن انتهازية وفساد الكثيرين منهم.
ولكن وحتى لو تم حل مشكلة التمثيل، وهي مشكلة دقيقة وعويصة وضرورية للدخول في مفاوضات جادة بإشراف دولي، فستبرز على الفور مشكلة أصعب وهي أن للشعب في الجنوب مطالب ومظالم تحتاج إلى حلول فورية. ومن الطبيعي أن المفاوضات تستلزم وقتا، ويحتاج تطبيق نتائجها إلى فترة انتقالية. فكيف، والحال هذه، سيتم تلبية المطالب الفورية؟ ومن الذي يمتلك السلطة والشرعية والقدرة على تلبيتها؟ والجواب الذي يمليه الأمر الواقع هو: السلطة القائمة. ولا بد أن تتوافر لديها الرغبة لحل مشاكل من يطالبون بالانفصال والاستقلال عنها!! وهو أمر مشكوك فيه.
الفرضية الثانية هي أن الحراك الجنوبي سيتوجه إلى المطالبة باستقلال ناجز وفوري عبر العصيان المدني أو الكفاح المسلح كما هدد الفضلي وبا عوم. وفي كلتا الحالتين تملك السلطة حيلا وأوراقا يمكن أن تلعبها. فمنها أن تلجأ إلى الحل التقليدي لمواجهة العصيان أو الثورة: عبر كي الوعي أما باستخدام الأسلوب العراقي في كردستان، لكي الوعي باستخدام القوة المفرطة. وهذا محفوف بمخاطر التجريم من قبل المجتمع الدولي. أو بموافقة المجتمع الدولي كحال إسرائيل والفلسطينيين وهذا مستبعد. الأسلوب الآخر لكي الوعي هو الأسلوب العراقي والجزائري، الذي تتم فيه إشاعة الفوضى والقتل بالسيارات المفخخة والعمليات الإرهابية، عبر تكليف جماعات إرهابية بها والتظاهر بمكافحتها لأنها تريد فرض حكم طالباني تحت راية الإسلام، وهو زعم سيؤيده انضمام الفضلي وجهادييه إلى الحراك، وهو المعروف بولائه للقاعدة وزعيمها ابن لادن. وبحيث تظهر السلطة أمام المجتمع الدولي وكأنها تحارب الإرهاب.
وللتحقق من ذلك يكفي النظر إلى صعدة التي طال عذابها أربع سنوات في ظل صمت المجتمع الدولي. والهدف هو اغتيال قيادات الحراك، وتكبيد المجتمع خسائر فادحة في الأرواح والمعايش، وإيصاله إلى تفضيل الأمن في ظل النظام القائم ، على إمكانية الاستقلال بمثل هذا الثمن الفادح. وهذا قد يقود إلى فوضى عارمة وحتى إلى الصوملة على يد عصابة سلطوية تستميت في الدفاع عما نهبته وسرقته.
الناظر إلى حالات تقرير المصير منذ الحرب العالمية الثانية يجد أنها لم تتم إلا بإحدى طريقتين. إما بتوافق المنفصل والمنفصل عنه، أو بتدخل المجتمع الدولي بعد أن تسيل أنهار من الدماء مع آلام شديدة. استقلال اريتريا، وسوريا من دولة الوحدة، ودول الإتحاد السوفيتي السابق، وتشيكيا، تم بالتوافق، وعلى الرغم التضحيات لم يتحقق استقلال الشيشان أو أقاليم الصومال ولم يعترف بها أحد. كوسوفو, والبوسنة، وتيمور، وكرواتيا استقلت بعد مجازر ودماء كثيرة.
إن أي قضية وطنية تحتاج إلى حامل سياسي فعال غاب في اليمن منذ بداية القرن الماضي، وهو موجود اليوم في صيغة اللقاء المشترك. والمطلوب أن يلتحم الحراك الجنوبي باللقاء المشترك عن طيب خاطر لأنه يوفر الفرصة الوحيدة المعقولة للوصول إلى حقوق الجنوبيين في السلطة والثروة بتضحيات قليلة أو بدونها. وبين عسقبلية السلطة وعسقبلية الحراك الجنوبي لم يعد هناك حامل غيره لمشروع الدولة الحديثة.
وفيما يتعلق بي فإني مستقل ولا انتمي لأي من أحزاب اللقاء المشترك لأر وج له، لأني أتمسك باستقلالية رأيي. ومنذ خمسة عشر عاما وهي الفترة التي قضيتها في الكتابة السياسية، أدركت أن الحاكمين في بلادي ليسوا إلى عصابة ستقود الوطن إلى مصير مؤلم. ولم تزدني الأيام إلا اقتناعا ولم أرى حلا غير اللقاء المشترك.
لقد احتملنا الفوضى لفترة أطول مما يبدو معقولا أو ممكنا، ودخلنا في نضال ضد الفوضى بأفكار بسيطة عن نظام المستقبل الذي يتوجه نحوه هذا النضال.
إننا نمارس ألعابا لفظية مشؤومة، وكل منا يتجاوز الآخر ولا يريد إلا الاستماع إلى صوته هو، وسط هذه الجماعات السلبية التي آل إليها المجتمع. فلنفكر مرة ومرة بعقل بارد، ولنتناقش منتهزين مشروع التشاور الوطني الذي دشنه اللقاء المشترك بدلا من حوار الطرشان هذا.
المقال منقول من التغيير نت
1 comment:
;) can you please, tell me the main subject?
Post a Comment