الإثنين , 30 يونيو 2008
- عصام صالح القيسي
فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً, فويل لهم مما كتبت أيديهم, و ويل لهم مما يكسبون "!.
هذا حديث قديم عند صاحبه, أجّله مراراً, لأسباب شتى, زال بعضها, و مازال الآخر باقياً, و ما أود أن يعرفه القارئ هو أن هذا الحديث لم يكن وليد نزوة فكرية أو طيش صبياني, و إنما هو ثمرة منِ ثمرات رحلة طويلة من القراءة و البحث و التفكر, صرف فيها كاتب هذه السطور أنفس أيامه, و شُغل بها عن تحقيق كثير من أحلامه, حباً في المعرفة, كل المعرفة, و رغبة في تحمل المسؤولية المقدرة له تجاه عقيدته و كيانه الجمعي, مهما كانت تلك المسؤولية محدودة الأثر..و إن كان لم يعط هذا المبحث على وجه التحديد إلا فضول أوقاته لانشغاله بما هو دونه!.
أقول هذا لأن كثيراً من أصحاب العطالة الذهنية و الفقر المعرفي - و هم في حياتنا أكثر من الهم على القلب - يتصورون أننا نقول ما نقول, و نكتب ما نكتب, لأننا لم نجد ما نفعل, أو لتحقيق شهوة الظهور و التميز, التي يحلمون بها هم و لا يجدون إليها سبيلا!.
و قد يقف أحدهم أمامك و عقله فراغ تصفر فيه الريح ليصفك بالجهل و قلة المعرفة!, ثم لا ينسى أن يتفضل عليك ببعض النصح, تقوّم به اعوجاجك, و تسدد به خطاك, و كان الله في عونك إذا قررت أن تحاوره بمنطق العلم و الحلم, و هو الذي تنشأ على مبدأ " إن نتبع إلا ما وجدنا عليه آباءنا.. " و تلقى معارفه على طريقة "سلّم الأجر ", فالمعارف لدينا تنتقل من جيل إلى جيل بنفس الطريقة التي تنتقل بها جنائز الموتى من كتف إلى كتف, دون أن يكلف أحد نفسه عناء التأكد مما إذا كان هذا المحمول على كتفه ميتاً حقاً, أم حمولة مخدرات, كما في الفيلم العربي!.
لكن من أين أبدأ هذا الحديث, و كل أبوابه ملغومة, إن نجوت من أحدها لن أنجو من الآخر!. هل أبدأ من المشكلات التي تسببت بها مقولة (حجية الحديث) في مختلف وجوه حياتنا!.. هل أبدأ من الأدلة الواضحة في عدم حجية أي حديث غير حديث القرآن الكريم " و من أصدق من الله حديثا ", و أنه وحده كلمة الله الأخيرة, و الخالدة! " فبأي حديث بعده يؤمنون ".. أم أبدأ من الدوافع و العلل الأولى التي كانت وراء تأسيس مبدأ الحجيّة هذا, الذي جعل من كلام البشر ديناً يزاحم دين الله, و يصد عن سبيل الله!.
لعل من المناسب أن أبدأ من ذلك السؤال الذي يطرحه عليّ البعض في سياق الاستنكار, و يقول: لماذا تجعل من مسألة (حجية الحديث) قضية ذات أولوية في نشاطك الفكري, و همك اليومي؟ لماذا لا تشتغل بحال أمتك اليوم و ما هي فيه من الضياع و الهزيمة, بدلاً من إضافة مشكلة جديدة إلى مشكلاتها؟!.
و على ما في هذا السؤال من وجاهة ظاهرية إلا أنه في باطنه ينطوي على سذاجة تثير في نفسي مزيداً من القلق على مستقبلنا !., فالسائل عادة لا يعلم أن مشكلات الواقع - واقع الفرد أو الجماعة - في نصيبها الأكبر - ما هي إلا انعكاس لمشكلات العقل و الثقافة, إذ لا يجوز - في حكم العقل و النقل - أن يكون الجسم سقيماً و العقل سليما, إلا إذا كان الجهل نوراً و العلم ظلاماً !. و عقل الجماعة - أو الفرد - هو ثقافتها الفاعلة التي تحدد رؤيتها, و مبادئها, و نظام تفكيرها, فإذا صلحت الثقافة صلح العقل, و إذا صلح العقل صلح الواقع, في جدلية من التأثير و التأثر معروفة. و عليه فإن خلل الواقع المنظور و المحسوس هو تهمة صريحة لحالة العقل و الثقافة. و هذا لا يعني أن الثقافة هي العامل الوحيد في تشكيل حياتنا, و إنما هي العامل الأكثر حسماً, و الأكثر تفسيراً لمشكلات الواقع الجمعي, فماذا في ثقافتنا يحتاج إلى إصلاح؟!
الحقيقة أن مفهوم الثقافة أشبه ما يكون بمجرة واسعة من العناصر الذهنية و النفسيّة الموروثة و المكتسبة, التي يصعب الإحاطة بها.. إنها - كما يعرفها الأمريكان: ما يتبقى في الذاكرة بعد ذهاب كل شيء!. إلا أن مركز هذه المجرة الذي يستقطب أجرامها و يحدد مسارها هو (الدين) ، الإسلام على وجه التحديد, و أي خلل يصيب هذا المركز لا بد أن تتبعه مظاهر كثيرة من الخلل في مختلف الأطراف, و منه فإن أية محاولة للإصلاح و التحول لا تبدأ من المركز تكتب على نفسها الفشل من اللحظة الأولى!. فماذا في ديننا يحتاج إلى إصلاح؟!.
وأعني بالدين هنا ما يعتقده جمهور المسلمين من فقهاء و عامة و مقلدين و هو تلك المنظومة العقدية, و الروحية, و التشريعية, المكونة من النص الديني المنزل على الرسول (ص) و ما ألحق به من نصوص إضافية على أيدي المسلمين بعد ذلك كما هي عادة أهل الكتاب! و ما نشأ بين العقل الإسلامي و بين هذه النصوص من تفاعل تحت راية (الاجتهاد) في مئات السنين الماضية. و يبدو واضحاً أن هذا التعريف قد انطوى على حكم متحيّز, و هذا حق, لكن ماذا يفعل مثلي و هو يرى أن جريمة كبيرة في حق الإسلام تقترف باسم الحرص على الإسلام!؟ ماذا يفعل مثلي و هو يرى الجماعة التي تمارس الشرك ترفع رأسها عالياً, و ترفع السيف في وجه كل داعية إلى التوحيد, و هو هنا سيف التكفير, و التخوين, لا على سبيل التعميم و الإجمال كما نفعل, و إنما على سبيل التعيين والتحقيق!.
إن هذا البيان يحاول الكشف عن حقيقة ناصعة البياض, ظلت تحت الردم مئات السنين, تتنفس نعم, و لكن لا ترى الشمس !, حقيقة كانت من البدهيات في أزمنتها الأولى, و هي الآن غريبة غربة الحق في غير زمنه, فطوبى للغرباء!. حقيقة لا تحتاج إلى كثير علم بقدر ما تحتاج إلى كثير صدق مع الله و النفس, و إلى كثير شجاعة للصدع بها في وجه مجتمعات كالحة الظلمة, جهلاً, و نفاقاً, و استبداداً.حقيقة تقول إن الله تعالى لم يخاطب المسلمين بغير القرآن الكريم, و أن ما يسمى بالحديث النبوي ليس جزءاً من دين الله الذي كلف الرسول (ص) بإبلاغه و الإنذار به, و إنما هو جزء من تاريخ النبوّة (السيرة النبوية) صدر عن النبي (ص) بحكم العادة والاجتهاد البشريين لا بحكم النبوة و الرسالة!.
حقيقة تقول إن المسلمين - بوعي أو بدون وعي - قد انقلبوا على الإسلام!, و أن قطارهم ما توقف عن المضي قدماً إلا لأنه خرج عن (سكته) التي حددها الصانع الحكيم, فتحطم من عرباته ما تحطم, و تاه منها ما تاه في وديان الوهم و الجهالة!.
حقيقة صادمة نعم, لكنها لازمة لأهل الكهف (كهف التخلف) الذين يعبون من (نهر الجنون) , و هم يحسبون أنهم عقلاء, و أن المجنون هو ذلك الذي تجنب الشرب من نهرهم, و وقف بعيداً ينذرهم, و هيهات أن يعقلوا, أو يغادروا كهفهم, و قد تعودوا على الظلمة, و تعودت عليهم, حتى لا تقوى عيونهم على احتمال ضوء النهار خارجه!.
وهي بالمناسبة - ليست الحقيقة الوحيدة التي دثرها تراب الاجتهاد الأعشى, فإلى جانبها- تحت الردم - حقائق أخرى كثيرة, لا نرى بعضها, و إن كنا نسمع أنينها!، و ذكرنا بعضاً منها في مقالات سابقة لم تجد فرصة للنشر على صفحات الجرائد, و نشرت على مواقع الكترونية, مثل ذلك المقال الذي عنونته (في الطريق إلى الخلاص.. هل انقلب المسلمون على الإسلام ؟!) و عددت فيه مظاهر انقلاب المسلمين على الإسلام, بعد ذهاب جيل (الصحابة) , و من تلك المظاهر: اغتيال سنة صلاة الجماعة للنساء في المسجد الجامع مع الرجال, كما كان الحال في زمن النبي و زمن الراشدين، و اغتيال مبدأ (الشورى) في ولاية الأمر على يد معاوية بن أبي سفيان, الذي أسس لنظام الملك و الوراثة و الاستبداد.. و منها فضيحة (الاغتصاب) الكبير الذي مارسه المسلمون باسم (الفتح) الإسلامي لنساء البلاد المفتوحة, بعد تحويلهن و رجالهن من أسرى حرب إلى رقيق, يباع و يشترى في أسواق النخاسة, كما تباع الأحذية و الأنعام, و كل ذلك باسم الإسلام, و " ما ملكت أيمانكم " ! و دون أي سند شرعي, ضاربين عرض الحائط بكل النصوص القرآنية الداعية إلى إكرام الإنسان, و إكرام الأسير على وجه الخصوص, و التي تحدد مصير أسرى الحرب في طريقين اثنين لا ثالث لهما: المن عليهم بالحرية, أو بالفداء: " فإما منًا بعد و إما فداء ".
و منها اختراع (حد الرجم للزاني المحصن) دون دليل قطعي الثبوت, على الرغم من بشاعة هذا الحد الذي تأباه الفطرة السوية,و روح الإسلام الرحيم,و هو من العقوبات الشديدة التي كتبت على بني إسرائيل في سياق تربيتهم وتأديبهم,للعلل النفسية و الخلقية التي تلبست بهم,و جاء عيسى مخففاً لها. و يعتقد أنها تسربت إلى تراثنا عن طريق بعض اليهود الذين أسلموا!. و كذلك اختراع (حد الردة) لمن أراد تبديل عقيدته!, بالرغم من الآيات الواضحات في حرية الفكر, و الاعتقاد, و الجدل مع المخالف بالتي هي أحسن, و بالرغم من إغفال القرآن الكريم لأية عقوبة دنيوية لخطيئة الردة!.. و غير ذلك كثير من المقولات الاجتهادية و الأدخولات اليهودية التي صارت عند الناس مسلمات لا يمكن تجاوزها, أو مناقشتها, مهما كان منطق الضعف فيها بادياً, و مهما كان بنيانها متهاوياً!. و ليس هذا مجال بحثها و تفصيلها.
إنني أضع هذا البيان بين أيدي الباحثين المخلصين لعقيدتهم و أمتهم, و أعلقه بجوار آذانهم ناقوس خطر, و أخشى عليه من طيش الصبيان, و حمق المقلدين, و ما أكثرهم في زماننا و أشد نكايتهم, و لكن الله غالب على أمره, إذا شاء جعل النار برداً و سلاماً!. و السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: إلى أي شيء نستند في هذا الاعتقاد.. الاعتقاد بوحدانية كلام الله, و عدم حجية أي حديث غير حديثه في القرآن الكريم, و قبل المضي في الإجابة عن السؤال أود ابتداءً تحديد مفهوم (الحديث) كما أعنيه, لإزالة أي لبس قد يقع فيه القارئ غير المتخصص.. و الحديث الذي أعنيه هو هذه الروايات المدونة في كتب الحديث, و المنسوبة إلى النبي (ص) حيناً, و إلى صحابته حيناً آخر, و هذا لا يعني - بالضرورة - أن قائلها يقيناً هو النبي, أو صحابي من صحابته, بل قد تكون من المكذوبات عليهم.. مع أنه قد يصح سندها, إلا أن صحة السند وحدها لا تكفي لتأكيد نسبتها إلى الشخص المعين!, و هذا ما يؤكده علماء الحديث أيضاً, و قد نقلنا ما قاله في هذا الباب ابن الصلاح في مقدمته الشهيرة, في محله من هذا البيان. و أما الآن فإلى مستنداتنا في القول بعدم حجية الحديث النبوي, و في اعتباره جزءاً من تاريخ النبوة لا جزءاً من الدين المقدس:
أولاً: لما ثبت يقينا في القرآن الكريم من أن النبي عليه الصلاة و السلام لم يكن في كل حالاته ينطق, أو يتصرف عن وحي من الله, و إنما عن عادة بشرية و اجتهاد, و بهذا قال أئمة العلم و محققوه, و شواهده في القرآن و السيرة كثيرة من نحو قوله تعالى في عتاب النبي(ص) و التصويب له: " عفا الله عنك لم أذنت لهم ",و قوله تعالى: " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك " و قوله تعالى: " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض, تريدون عرض الدنيا و الله يريد الآخرة, و الله عزيز حكيم, لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم", و قوله تعالى:" عبس و تولى أن جاءه الأعمى, و ما يدريك لعله يزكى ". فقد دلت هذه الشواهد و غيرها في الكتاب و السيرة على أن النبي (ص) كان يمارس الاجتهاد في الدعوة إلى الله و في تطبيق الشريعة و في إدارة شئون جماعته, باعتباره أول المكلفين بتدبر القرآن و استنباط أحكامه, و كان في اجتهاده يصيب أحيانا و يخطئ أخرى فيصحح له الوحي كما يصحح للمسلمين في زمن الوحي إذا أخطأوا و قصّروا !. يقول الدكتور عبد المنعم النمر: " و قد شرّف الاجتهاد, و رفع من منزلته, و أعطاه دفعة قوية, أن الرسول عليه الصلاة و السلام, باشره في تنفيذ بعض النصوص, و في بعض أمور الحياة لإعطائها حكما شرعيا لم ينزل فيه وحي (و يستطرد) و أراني في حاجة إلى وقفة مع اجتهاد الرسول صلى الله عليه و سلم فوق ما سبق أن ذكرته تحت عنوان: " هل هي عن وحي " لأني أحسست من موقف بعض العلماء هنا, و في الملتقى الفكري السابع عشر بالجزائر سنة 1983م الذي خصص لبحث الاجتهاد أحسست أنهم يجفلون من وصف الرسول بأنه يجتهد, و يعتبرون ذلك تطاولا على الرسول الذي تصفه آية النجم بأنه " ما ينطق عن الهوى " و سيطرت هذه الآية على نفوسهم, فجعلوها عامة في ]كل [ نطق ينطق به الرسول و هو خطأ...لقد اضطررت في تعليق لي على بعض ما سمعته في هذا الملتقى, إلى أن أذكر إخواني الوجلين من كلمة " اجتهاد الرسول " بأن هذه حقيقة علمية و واقعية تعرض لإثباتها و القول بها أغلب أئمتنا و علمائنا على مر القرون حتى الآن, و إن هذه الحقيقة تدرس لطلابنا و تتحدث عنها الكتب المقررة عليهم, و كل الكتب التي تتحدث في أصول الفقه و تاريخه, فلا يليق بعلمائتا أن يقفوا منها هذا الموقف الذي ينبئ إما عن عدم علم بالحقائق التشريعية, أو عن خوف من التحدث بها و إقرارها... و تأسفت أن يكون هذا حال علماء حضروا لبحث موضوع " الاجتهاد".
و هذا يضعنا لزاما أمام سؤال مهم هو: كيف يمكننا التمييز بين ما هو وحي من الله و ما هو اجتهاد صادر عن النبي (ص), تمييزاً حاسماً يمنع دخول الاجتهاد البشري و العادة البشرية في دائرة المقدس الديني, أو العكس؟!
الحقيقة أنه لا يوجد أي نص في الكتاب أو في تراثنا الفقهي - حسب علمي - يضع لنا معايير حاسمة و حدوداً فاصلة بين ما يصدر عن محمد (ص) بحكم العادة و الاجتهاد و ما يصدر عنه بحكم الوحي, مع أن الأمر في غاية الخطورة و الأهمية!, إذ قد يكون ذلك موردا من موارد الشرك, و القول على الله ما لم يقل, و لم ينزل به سلطانا مبينا. و هذا يعني أن الله تعالى قد ترك أمر الفصل في هذا الشأن لاجتهاد المجتهدين, و في هذا دلالة على أن الفصل و التمييز الحاسم بين الموردين ممكن و قريب, إذا ما أعمل (التدبر) و (التفكر) و (الاستنباط) كما أمر الله أن نفعل إزاء كتابه!, فإلام يهدينا التدبر و الاستنباط؟.
لقد دل الاستقراء و الاستنباط في القرآن الكريم على أن لمحمد (ص) مقامات عدة يتصرف فيها, عدها الإمام القرافي أكثر من (11) مقاما, مع أن القرافي و غيره ممن فطنوا إلى مقامات النبي(ص) لم يحسنوا تمييزها تماماً, و قد تأملت الأمر فوجدت للنبي مقامات خاصة لا تعلق لها بجماعة المسلمين كمقام الزوجية و ما شابهه, و مقامات أخرى عامة هي التي تخص المسلمين و تعنينا في هذا السياق, و قد حصرتها في ثلاثة مقامات, على ضوء شواهد القرآن الكريم و مؤيداته من السيرة النبوية, و هذه المقامات العامة هي: مقام الرسالة, و مقام النبوة, ومقام ولاية الأمر (و هو فرع عن مقام النبوة) , على نحو من التفصيل الآتي:
أ- مقام الرسالة: و هو مقام تبليغ الرسالة (الكتاب) قال تعالى: " و ما على الرسول إلا البلاغ المبين ", و لا يجوز الاجتهاد في هذا المقام: " و لو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين ". و البلاغ المبين المشروط في الآية هو الإعلان العام للناس كافة, و هذا النوع من البلاغ لم يتحقق إلا للقرآن الكريم وحده باتفاق (و للسنة العملية بتعريفها الذي سيرد في هذا البيان) , مما يدل على أنه وحده الرسالة المكلف بتبليغها, و أما الحديث فقد كان معظمه يدور بين النبي و فرد أو أكثر من الصحابة في ظروف شتى, أو وصف لهيئة من هيئاته أو لعادة من عاداته, و لم يكن النبي (ص) و لا الصحابي حريصين على إعلانه للناس كافة, فضلا عن أنه نقل إلينا بعد ذلك عن طريق آحاد الرواة, و هو بهذا لا يعد من البلاغ المبين, و من ثم لا يعد من الرسالة التي كلف الرسول بتبليغها.
و اللافت أن التأويل الرقمي للقرآن الكريم يشير إلى هذه الحقيقة أيضاً, حقيقة كون رسالة الله هي القرآن وحده!, و التأويل الرقمي قرينة لطيفة لا يجوز الاستهانة بها و سيكون لها قدرها بعد نضج مبحث الإعجاز الرقمي في القرآن الكريم, و تحوله إلى علم له حقائقه و نظرياته!.. يقول عبد الرزاق نوفل في كتابه (الإعجاز العددي للقرآن الكريم) ما نصه: " لقد ورد ذكر رسالة الله بمختلف ألفاظها (10) مرات في القرآن الكريم... و بنفس العدد أي (10) تكرر ذكر سور القرآن الكريم... أي أن رسالة الله و سور القرآن قد تساوى عدد مرات ذكرها في القرآن الكريم ", و هذا التساوي له دلالته عندنا, و عند من آمن بوجود بنية رقمية و عددية معجزة في القرآن الكريم, لا تحتاج إلى عناء في إثبات وجودها, و يكفي المتشكك الاطلاع على ما كتبه فرسان هذا الفن من باحثينا أمثال: عبد الرزاق نوفل, و بسام جرار, و رشاد خليفة (الذي ضل بصدمة الإعجاز الرقمي في القرآن فادعى النبوة) !.
وعندما نقول بأن الإسلام هو القرآن وحده لا شريك له, و أن القرآن هو الوحي الواجب الاتباع و لا وحي سواه, فإن التأويل الرقمي أيضاً يؤيدنا في ذلك, حيث تبين أن " عدد مرات ذكر (الوحي) و مشتقاته- فيما يخص وحي الله لعباده و رسله - (70) مرة هي عدد ذكر (القرآن) و مشتقاته,و بنفس العدد أي (70) تكرر لفظ (الإسلام) و مشتقاته " لم يتضمن هذا العدد لفظ (أأسلمتم) الذي ورد مرة واحدة بصيغة سؤال لا يفيد تحقق الإسلام " كما يقول نوفل.
إذاً فلا يسمى الرسول رسولاً إلا من زاوية كونه مبلغا لرسالة (كتاب) لا من زاوية كونه نبي يقوم بوظائف النبوة المعتادة, من دعوة للتوحيد و التزكية و الإصلاح. و هذا لا يعني أنه ليس بنبي, بل هو نبي و زيادة!, و الزيادة هذه هي (الرسالة) التي منحته صفتها فصار يسمى (رسولاً) ,و إلا من زاوية المجاز و التغليب إذا ذكر النبي مع الرسول, نحو قوله تعالى عن موسى و هارون: " فقولا له إنا رسولا ربك " و العربية تغلب الأعلى على الأدنى, و المتمكن على غير المتمكن, إذا اجتمعا في الخطاب. و لهذا كان موسى و عيسى و محمد رسلاً, و كان هارون و زكريا ويحيى أنبياء فقط!.
ب- مقام النبوّة: و هو أصل المقامات الأخرى, و وظيفة النبي فيه (أي نبي) الدعوة إلى التوحيد و التزكية و الإصلاح الاجتماعي و النفسي, و لكن صاحبه لا يأتي بـ (رسالة / كتاب/شريعة) و إنما هو تابع لشريعة رسول قبله - إذا لم يكن النبي هو ذاته الرسول - كما كان هارون مع موسى, و كما كان يحيى و زكريا مع عيسى عليهم السلام. و النبي (أي نبي) في هذا المقام يحق له الاجتهاد في تطبيق الشريعة كما يحق لغيره من التابعين, بل هو أول المكلفين بذلك!, غير أن اجتهاد النبي إن ألزم جيله فإنه لا يلزم أحداً بعد جيله, فذلك الإلزام لمقام الرسالة وحده, لأن الاجتهاد (فتوى) لا (حكم) ، و الفتوى تتغير بتغير ظروفها و زمانها, و الزمن لا يستقر على حال. و لهذا كان النبي يأتي وراء النبي و هو تابع لشريعة رسول سابق, لا لنبوة نبي قبله أو معه!.
ج- مقام ولاية الأمر: و هذا المقام فرع عن مقام النبوة, إذ أن النبي (ص) لم يكن ولياً لأمر المسلمين بانتخابات نيابية أو بانقلاب عسكري, و إنما بوصفه النبي الرسول, و هو أيضا مقام شورى و اجتهاد, بدليل قوله تعالى يأمر النبي:" و شاورهم في الأمر " إذ لا شورى إلا في موارد السياسة و شئون إدارة الجماعة لا في مجال الوحي!, و هو ما شهدت به السيرة النبوية أيضا في أكثر من مقام. و لمزيد من البيان لمفهومي: الشورى و ولاية الأمر, أنقل هذا النص النفيس للدكتور محمد عمارة, من كتابه (التراث في ضوء العقل) يقول في تعليقه على آية:" و أمرهم شورى بينهم ": (عند ما نطالع آيات القرآن الكريم نجده قد استخدم مصطلح (الشورى) - و مشتقاته - في مواطن ثلاث.. ففي الحديث عن شئون الأسرة - و هي اللبنة الأولى في المجتمع و الأمة - طلب أن يكون (التشاور) سبيلا لبحث شئونها و حسم خلافاتها " فإن أرادا فصالا عن تراض منهما و تشاور فلا جناح عليهما.. ".. أما في أمور السياسة و الحكم السياسي فإنه يستخدم (الشورى) : " وأمرهم شورى بينهم ", فيجعل الشورى صفة من صفات المؤمنين, تشهد على ما عندهم من حقيقة الإيمان!.. كما يستخدم فعل الأمر من هذا المصطلح عندما يقول الله لرسوله, عليه الصلاة و السلام: " فاعف عنهم و استغفر لهم و شاورهم في الأمر... ". وهذا الارتباط بين مصطلح (الشورى) و مصطلح (الأمر) يضع يدنا على حقيقة كثيرا ما غفل عنها الكثيرون, حقيقة أن المصطلح القرآني الذي يدل على السياسة و نظام الحكم السياسي في المجتمع و شئونه هو مصطلح (الأمر) و ليس مصطلح (الحكم) !.. (فالحكم) : فقه, أو نبوة, أو قضاء.. على حين كان (الأمر) هو السياسة و شئون المجتمع السياسية, و من هنا كان الارتباط بين " الأمر " و بين " الشورى " في آيات الشورى بالقرآن الكريم..
وإذا كان معنى " الإسلام " كدين هو الطاعة لله طاعة تامة, و إسلام الوجه لله, الأمر الذي لا يجعل للشورى مكاناً في أمور الدين و أصوله و عباداته, فإن السياسة و أمور الدنيا - وهي مدنية بشرية - قد جاءت مرتبطة بالتشاور والشورى.. حدد ذلك القرآن, و حثت عليه السنة النبوية, وطالعناه في الأدب السياسي لعصر النبوة و الخلافة الراشدة...
والذين يتتبعون و ثائق ذلك العصر يجدون السياسة و شئونها واردة بكاملها تحت مصطلح (الأمر) .. ففي سقيفة بني ساعدة, بالمدينة, اجتمع المسلمون لتقرير نظام حكمهم بعد وفاة الرسول، عليه الصلاة و السلام, و لاختيار خليفتهم, فكان أن قال أبو بكر الصديق: " إن محمدا قد مضى بسبيله, و لابد لهذا الأمر من قائم يقوم به..) .. وعندما حضرت الوفاة عمر بن الخطاب, و عقد للشورى مجلسا, قال لهم: " تشاوروا في هذا الأمر ".. بل لقد جاء الاشتقاق اللغوي لكلمة (الأمير) - الذي يتولى سياسة الدولة أو الإقليم أو الجيش - من مصطلح (الأمر).. و منه كانت تسمية المسلمين لرأس دولتهم (أمير المؤمنين) !.. و كذلك كان "أولوا الأمر " هم القادة و الموجهون لشئون المجتمع في السياسة و الحرب و الاجتماع و الفكر و الاقتصاد..
وفي كتب الحديث - و خاصة في صحيح مسلم - نجد أحاديث السياسة, و ما نسميه بلغة عصرنا " نظام الحكم " مجموعة في (كتاب الإمارة) للصلة العضوية، بين هذا المبحث و بين مصطلح (الأمر) هو الدال على ما نسميه اليوم في أدبنا السياسي المعاصر بنظام الحكم, على حين كان مصطلح (الحكم) - و لا يزال - بعيدا عن هذا المبحث في القرآن الكريم!..) .أ.هـ
وبالاستناد إلى ما مضى فإنه لا يصدر عن النبي في مقام الرسالة إلا القرآن الكريم, لأنه لا رسالة سواه, و مادل عليه القرآن بشكل حاسم, و هو السنة الدينية العملية المنقولة إلينا بالتواتر العملي!, و أما ما صدر عن النبي خارج هذه الحدود فهو داخل في مقام النبوة و غيره من المقامات الخاصة و العامة, التي لا تدخل في دائرة الدين. ولأننا استثنينا السنة النبوية من مقامات الاجتهاد و أنزلناها حيث أنزلها القرآن الكريم, فإن من اللازم علينا بيان مفهوم السنة كما نفهمه, حتى لا يلتبس الأمر فنقول: السنة هي: الأفعال الدينية الصادرة عن الرسول (ص) بصورة راتبه, تفصل مجملاً في القرآن الكريم أمرنا به, دل القرآن على أن بيانها لدى الرسول, و نقلت إلينا بالتواتر العملي نقلاً لا يشك فيه, وهي (الفرائض) بلغة الناس اليوم.
فبقولنا (أفعال) خرجت (أقوال) النبي (ص), و بقولنا (الدينية) خرجت أفعاله العادية مما يفعله الناس في ليلهم و نهارهم, و بقولنا (بصورة راتبة) خرجت أفعال النبي الدينية غير المفروضة من نوافل و عبادات و تسابيح, و بقولنا (تفصّل مجملاً في القرآن الكريم..) تأكيد على أن أصل هذه العبادات ينبغي أن يكون مأموراً به على الإجمال في القرآن الكريم, و دل العقل و النص على أن الرسول مكلف ببيانه, مثل بيانه لتفاصيل الصلاة و الزكاة و الحج و الصوم التي لم يفصل بعضها في الكتاب, و بقولنا (نقلت إلينا بالتواتر العملي) خرجت كل المظاهر الدينية التي نسبت إلى النبي و لم ترد إلينا عن طريق (البلاغ المبين) .
وقد ميزنا بين السنة والحديث استناداً إلى حقائق اللغة التي تفرق بين الفعل و الكلام, و استناداً إلى حقائق التاريخ التي تروي أن الناس إلى ما قبل الإمام الشافعي - كانت تفرق بين (أفعال) النبي و (أقواله) فيسمون الأولى (سنّة) و يسمون الأخرى (حديثاً) , ويقولون: فلان أعلم بالسنة و فلان أعلم بالحديث, حتى جاء الإمام الشافعي و ضرب أفعال النبي و أقواله و تقريراته في خلاط واحد, و أخرج لنا مخلوطاً جديداً أسماه (السنة القولية, و السنة العملية, والسنة التقريرية) وهو شيء أشبه بقولنا: النهار النهاري, و النهار الليلي, وما أشبه هذا بأقوال الحشاشين!. وأنا أشبه القول بالقول لا القائل بالقائل, حتى لا يطلع علينا أحدهم من أي (شعوب) فيجهل فوق جهل الجاهلينا!.و قد عددنا السنن الماضية امتدادا لمقام الرسالة للاعتبارات الآتية:
- لوجود نص بالإشارة في القرآن الكريم يدل عليها, نحو قوله تعالى في الصلاة و الزكاة: " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة و أطيعوا الرسول " و للنساء: " أقمن الصلاة و آتين الزكاة و أطعن الرسول " والآيتان ترفعان ببلاغة الإشارة الصلاة و الزكاة إلى مرتبة الرسالة حين تشيران إلى أن تفاصيل أركانهما عند الرسول الذي تجب طاعته!. و اللافت أن طاعة (الرسول) لم ترد في القرآن الكريم منفصلة عن طاعة الله إلا في هذين الموضعين!.
- لكون هذه الصلوات بتفاصيل أركانها (على الأقل) قد وردت إلينا بالتواتر العملي كما أسلفت, مثلها مثل القرآن الكريم!, وهي بهذا ليست محل شك من حيث ثبوتها عن النبي (ص) مما يمنحها سمة (البلاغ المبين) المشروط في الرسالة, بعكس أقواله التي وردتنا بطرق ظنية غير قطعية.
- ولأن مقادير هذه الصلوات و هيئاتها وترتيباتها, مما لا يتصور العقل أن يكون بمحض اجتهاد, و إلا فما معنى أن تكون الظهر أربعاً و المغرب ثلاثاً, والفجر اثنتين.. الخ.
وهذا يضعنا أمام سؤال آخر لطيف هو: هل يعني هذا أن هذه السنن من الوحي المقدس, و هل هناك وحي غير وحي القرآن؟ و لماذا لا يكون الحديث إذاً جزءاً من هذا الوحي, إذا كان الرد بالإيجاب؟!.
و الحقيقة أنه لا مانع من وجود وحي (مساعد) لوحي الرسالة, أدنى رتبة من وحي القرآن الكريم, بل إن شواهد هذا الوحي متوفرة في الكتاب و السيرة: كوحي الله لأم موسى:" و أوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ": القصص, و وحي الله للحواريين: " و إذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي و برسولي ": المائدة، و قبل ذلك وحي الله للأنبياء جميعاً بدون رسالة!. و ما ترتيب آيات القرآن في سوره, و ترتيب سوره في مصحفه, إلا شاهد من شواهد وجود هذا الوحي, يوجه النبي (ص) في هذا الترتيب الذي دلت البحوث و الدراسات (الرقمية و العددية على وجه الخصوص) على إعجازه و صدوره عن حكيم خبير!. و لا غرابة في قولنا بوجود وحي مساعد لوحي الرسالة, ما دام القرآن يحدثنا عن (مساعد) نبي, أو بلغة القرآن (وزير) نبي!, فهذا موسى عليه السلام يطلب من ربه (وزيرا) له من أهله يساعده في شئون النبوة, و يرشح هارون أخاه لهذه المهمة " و اجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي, أشدد به أزري, و أشركه في أمري ", و الله سبحانه و تعالى يقبل ترشيح موسى, و يعتمد هارون نبياً (مساعداً) لموسى الرسول!.
و فكرة الوحي (المساعد) هذه ليست من فراداتي, فقد قال بمثلها علماء الأصول و أئمته (كالإمام الشافعي في رسالته) حين قال إن السنة وحي أدنى رتبة من وحي القرآن الكريم!. و أنواع الوحي و طرقه متعددة متنوعة ومعروفة في مضانها من كتب الشريعة. إلا أن وجود وحي لا يعني بالضرورة وجود شريعة, و ما هارون عليه السلام إلا مثل عابر على ذلك.
ولمزيد من الاطمئنان فقد قام كاتب هذه السطور بعملية إحصاء عددي لكلمة (صلاة) و مشتقاتها في القرآن الكريم, لعله يجد دلالة ما من بنية (التأويل الرقمي) الذي يؤمن به, و ثبت وجوده كوجه من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم, و كانت المفاجأة وجود الملاحظات الآتية:
- كلمة (صلوات) هي مجموع كلمة (صلاة) , و عدد حروف الجمع (5) حروف, و هو عدد صلوات اليوم و الليلة.
- وردت مشتقات كلمة (صلاة) في القرآن الكريم دون تكرار (19) مرة, و الرقم (19) هو الرقم المعجز في البنية الرقمية للقرآن الكريم, و يطلق عليه بعضهم (الشفرة) الرقمية للقرآن الكريم, كما أثبت باحثون ثقاة أمثال: الدكتور بسام جرار في كتابيه (عجيبة الرقم 19) و (نهاية إسرائيل) , و الدكتور عبد الرزاق نوفل في كتابيه (معجزة الأرقام و الترقيم في القرآن) و (الإعجاز العددي للقرآن الكريم) , و قبلهما الدكتور رشاد خليفة, الذي دفعه هذا الكشف المذهل إلى ادعاء النبوة!.
- وردت كلمة (صلاة) و مشتقاتها مكررة (99) مرّة. و بقسمة العدد (99) على العدد (19) يكون الناتج (5,2105263) و هذا الرقم يرمز إلى أمرين: الأول: العدد الصحيح (5) و يرمز إلى عدد الصلوات (المفروضة) في اليوم و الليلة!, و الآخر: الأعداد غير الصحيحة بعد الفاصلة (2105263) و ترمز إلى النوافل بعد الفرائض!. و العجيب أن مجموع أرقام هذه النوافل يساوي العدد (19) أيضاً. و بجمع النوافل (19) إلى الفرائض (5) ينتج العدد (24) و هو عدد ساعات اليوم و الليلة التي تؤدى فيها الفرائض و النوافل!.
- و بضرب العدد (19) في العدد (99) ينتج العدد (1881) و هو عدد صلوات اليوم و الليلة في العام الواحد, إذ بقسمة (1881) على (5,2105263) يكون الناتج (361) و هو عدد أيام السنة!. فهل هي مجرد صدف رقمية؟ أحتاج إلى غلاظة حس لأصدق ذلك!.
قلت إنه قد ثبت قطعاً أن النبي (ص) كانت له حالات يتصرف فيها خارج حدود الوحي, إما بحكم العادة و الجبلّة الفطرية البشرية و إما بحكم الاجتهاد و التشاور, و الآيات في ذلك واضحة حاسمة.
ثم قلت إنه لا بد من التمييز الواضح بين ما يصدر عن النبي بحكم الوحي و ما يصدر عنه بحكم العادة و الاجتهاد حتى لا يختلط المقدس بالبشري, و نقع في الشرك!. و قلت إن هذا التمييز الواضح غير ممكن إلا بافتراض مقامات عامة واضحة و متميزة للنبي (ص), و قد دلتنا الآيات و السيرة على ثلاثة منها هي مقامات (الرسالة,و النبوة, و ولاية الأمر) , و ها هو ذا القرآن يزيدنا في ذلك اطمئناناً و يمدنا بالمؤيدات الآتية:
- باستقراء القرآن الكريم وجد الباحثون أن كل الآيات الموجبة لطاعة محمد (ص) طاعة مطلقة كانت له في مقام (الرسالة) فقط, و لا توجد آية واحدة تأمر بطاعته في مقام النبوة أو غيره طاعة مطلقة, فلا نجد آية تقول مثلاً:" يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا النبي " أو " أطيعوا الله و نبيه ", و إنما تأتي الآيات هكذا:" يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم" النساء و " قل أطيعوا الله و الرسول ".. الخ, مما يدل على وجود فرق بين النبوة و الرسالة, وأن النبوة مقام اجتهاد و الرسالة مقام تبليغ و حسب.
- و باستقراء القرآن أيضاً تبين للباحثين أن كل آيات العتاب الرباني و التصويب لمحمد عليه الصلاة و السلام, كانت له في مقام النبوة (و ولاية الأمر فرع منه) لا في مقام الرسالة, نحو قوله تعالى:" عفا الله عنك لم أذنت لهم ", و قوله تعالى:" عبس و تولى أن جاءه الأعمى.. " و قوله تعالى:" يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك " و قوله تعالى:" ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض", وكلها خطاب للنبي و ولي الأمر و الإنسان البشر, لا للرسول.
كما دل الاستقراء في القرآن و الكتب السماوية و التاريخ على جواز اجتماع أكثر من (نبي) في الزمن الواحد والبقعة الواحدة, كما كان اجتماع موسى و هارون, و اجتماع زكريا و يحيى و عيسى عليهم السلام, و عدم جواز اجتماع (رسولين) في الزمن الواحد, لأن لكل رسول شريعته, و لا تتزامن شريعتان في وقت واحد, لأن الشرائع لا ترسل إلا لنسخ أو تخفيف أو تطوير شريعة سابقة, و هو ما يسوغ فكرة تطور الشرائع بتطور الزمن و أحوال الأمم, و هذا لا يحدث مع الأنبياء لأنهم لا يدعون إلى شرائع جديدة و أنما يدعون إلى العقيدة الواحدة التي لا تتبدل و لا تتطور, و إلى شريعة من قبلهم من الرسل. و " لكل منكم جعلنا شرعة و منهاجا ".
واستناداً إلى ما مضى, و إلى ما هو آت, قلنا إن (الحديث النبوي) يعد امتدادا لمقامات النبي كلها عدا مقام (الرسالة) لأن الرسالة محددة بـ (الكتاب) و مشروطة بـ (البلاغ المبين) و هذه هي الإبانة التي وصفت بها رسالة الرسول, و البصيرة التي أمرنا باتباعها:" قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا و من اتبعني ", بعيدا عن الغبش و الظنون, و " إن يتبع أكثرهم إلا ظنا "!. و سنتعرض لاحقا بالنقاش المفصل لكل الشواهد و الآيات التي زعموا أنها أدلة في حجية الحديث.
ثانياً: نهي النبي (ص) الثابت في كتب الحديث نفسها عن تدوين كلامه, دون أن يثبت تراجعه عن هذا النهي, فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري أن النبي (ص) قال:" لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن, و من كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه, و حدثوا عني و لا حرج، و من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " و له روايات أخرى مماثلة في كتب الحديث الأخرى.
وقد حاول بعض الصحابة مراراً التأثير على النبي (ص) ليسمح لهم بكتابة حديثه لكنه أبى!, فقد جاء عن أبي سعيد الخدري أيضاً قوله: جهدنا بالنبي (ص) أن يأذن لنا في الكتاب فأبى " و ورد عنه أيضاً قوله:" ما كنا نكتب غير التشهد و القرآن "!.
وكان النبي (ص) قد برر هذا النهي في حديث عن أبي هريرة قال:" خرج علينا رسول الله (ص) و نحن نكتب الأحاديث, فقال: ما هذا الذي تكتبون؟ قلنا: نكتب أحاديث نسمعها منك. قال: كتاب غير كتاب الله؟!. أتدرون. ما ضل الأمم قبلكم إلا بما اكتتبوا من الكتب مع كتاب الله تعالى"!. و هو ما يعني بوضوح أن كلام الأنبياء ليس داخلاً في مجال الدين, وأنه إذا تركهم يكتبون أحاديثه في زمنه دون أن ينهاهم فسيعد ذلك إقراراً منه على حجيتها عندما يزعمون ذلك, فيقعون في ما وقعت فيه الأمم السابقة من تقديس لكلام البشر, حين تأخذ هذه المدونات طريقها إلى منصة القداسة بفعل الزمن و العقل الأسطوري للأمم غير الكتابية, و قد وقع بالفعل ما كان يخشاه النبي (ص), و صار حديثه ديناً يزاحم حديث الله!.
ومما يؤكد وقوع هذا النهي عن كتابة الحديث النبوي اتفاق المسلمين على أن الصحابة لم يدونوا - بصورة رسمية - أحاديث النبي (ص) مما يدلل على التزامهم بتوجيهات النبي (ص) و على كون عموم النهي غير منسوخ في مرحلة متأخرة من حياة النبي كما تزعم الكثرة الجاهلة!. بل نحن ننكر مبدأ النسخ في الدين من أساسه, و سيكون لنا مع هذا المبدأ وقفات و جلسات تكشف باطله في مناسبة قادمة إن شاء الله!.
بل قد استفاضت النقولات عن كبار الصحابة الرافضة لتدوين الحديث أو حتى الإكثار من روايته, مع الدعوة إلى الاكتفاء بالقرآن الكريم لا شريك له: فقد روى البخاري عن ابن عباس: " لما اشتد بالنبي (ص) وجعه قال: أئتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعدي, قال عمر: إن النبي غلبه الوجع, و عندنا كتاب الله حسبنا ". فأين ذكر السنة هنا؟ و هل يقدر عمر - إذا صدقت الرواية - أو غيره على رد أمر رسول الله (ص) لو كان من الدين؟ أم أن الجميع يدرك أن الدين قد اكتمل بنزول آخر آية لا بقول آخر حديث؟!.
وفي رواية عن قرظة بن كعب قال:" خرجنا نريد العراق, فمشى معنا عمر إلى حرار... فقال: إنكم تأتون أهل قرية لهم دويّ بالقرآن كدويّ النحل فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم, جودوا القرآن, و أقلوا الرواية عن رسول الله (ص), أمضوا و أنا شريككم, فلما قدم قرظة قالوا: حدثنا, قال: نهانا عمر بن الخطاب "!.
ولم يكتف عمر بذلك بل كتب في الأمصار يقول:" من كان عنده شيء من الروايات فليمحه ", و روي عنه أنه أحرق مجموعة من الروايات و قال:" مثناة كمثناة أهل الكتاب؟!". بل بلغ به الاحتياط في منع الحديث (و ليس التدوين فقط) إلى درجة حبس مجموعة من كبار الصحابة بالمدينة لإكثارهم من التحديث (و هو مباح) , فقد روي أنه بعث إلى عبد الله بن مسعود, و أبي الدرداء, و أبي مسعود الأنصاري, فقال لهم:" ما هذا الحديث الذي تكثرون عن رسول الله (ص)؟ فحبسهم بالمدينة حتى استشهد!".
وأما أبو بكر الصديق فقد جمع الناس و قال: "إنكم تحدثون عن رسول الله (ص) أحاديث تختلفون فيها, و الناس من بعدكم أشد اختلافا (صدق أبو بكر) فلا تحدثوا عن رسول الله شيئاً, فمن سألكم فقولوا بيننا و بينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله و حرموا حرامه!". و مثله فعل الإمام علي, ففي (جامع بيان العلم و فضله) : " عن جابر بن عبد الله بن يسار, قال: سمعت علياً يقول: أعزم على كل من كان عنده كتاب إلا رجع فمحاه, فإنما هلك الناس حيث اتبعوا أحاديث علمائهم و تركوا كتاب ربهم "!.
و روي عن عبد الله بن مسعود أنه أحرق صحيفة بها بعض الأحاديث ثم قال:" أذكر الله رجلاً يعلمها عند أحد إلا علمني به, و الله لو أعلم أنها بدير هند لبلغتها!, بهذا هلك أهل الكتاب قبلكم حين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون! ". فليت شعري كيف انقلب هذا التشديد في منع الحديث إلى تشديد في كتابته و الأخذ به؟!.
وروى مسلم عن ابن عباس قوله:" إنا كنا نحدث عن رسول الله إذ لم يكن يكذب عليه, فلما ركب الناس الصعب و الذلول تركنا الحديث عنه ". و أراد معاوية أن يكتب حديثاً فنهاه زيد بن ثابت قائلاً: " إن رسول الله (ص) أمرنا ألا نكتب شيئا من حديثه ".
بل إن عمر بن الخطاب - في خلافته - قد تحرج حتى من كتابة (السنن) و هي التي تنقل إلينا بالتواتر العملي و لا تحتاج إلى تسجيل إلا من باب التوثيق التاريخي, و قد ميزنا سلفا بين مفهومي: السنة و الحديث, و قلنا إن الفرق بينهما هو الفرق بين (الفعل) و (الكلام) . فقد روى الزهري قال:أخبرني عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب (السنن) , و استشار فيه أصحاب رسول الله, فأشار عليه عامتهم بذلك, فلبث شهراً يستخير الله في ذلك شاكاً فيه, ثم أصبح يوماً و قد عزم الله له فقال: إني كنت ذكرت لكم من كتابة السنن ما قد علمتم, ثم تذكرت فإذا أناس من أهل الكتاب من قبلكم قد كتبوا مع كتاب الله كتباً فأكبوا عليها و تركوا كتاب الله, و إني و الله لا ألبس كتاب الله بشيء ".
لاحظ قوله (تذكرت) و قوله (فإذا أناس من أهل الكتاب من قبلكم قد كتبوا مع كتاب الله كتباً فأكبوا عليها و تركوا كتاب الله) فإنه يتطابق مع قول النبي في حديث أبي هريرة السابق: " كتاب غير كتاب الله؟!. أتدرون. ما ضل الأمم قبلكم إلا بما اكتتبوا من الكتب مع كتاب الله تعالى"!.
و كل التبريرات التي وردت عن الصحابة في النهي عن التدوين تطابقت مع قول النبي (ص), فلماذا تجاهلها المحدثون و الشيوخ, و ذهبوا ينقبون عن تبريرات أخرى مغايرة؟!.
والدعوة إلى الاكتفاء بالقرآن الكريم و الاستغناء به عن الحديث كان موقف أم المؤمنين عائشة أيضا: فعن أبي مليكة قال: توفيت ابنة لعثمان بن عفان رضي الله عنه بمكة, و جئنا لنشهدها, و حضرها ابن عمر و ابن عباس رضي الله عنهما, و إني لجالس بينهما... فقال عبد الله بن عمر لعم بن عثمان: ألا تنهى النساء عن البكاء فإن رسول الله (ص) قال: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه. قال ابن عباس: قد كان عمر يقول ببعض ذلك.. فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة فقالت: رحم الله عمر! و الله ما حدث رسول الله (ص): إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه, ولكن رسول الله تعالى قال:إن الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه..و قالت حسبكم كتاب الله: " ولا تزر وازرة وزر أخرى ".
ولعل النبي (ص) إذا صحت هذه الرواية - قد اجتهد في فهم قوله تعالى:" ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة و من أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون " كما يرى محمد الغزالي!. و الحديث عندي حديث آحاد لا يفيد شيئاً في أي مجال فما بالنا بمجال الاعتقاد!. و الروايات الواردة عن النبي و صحابته في النهي عن كتابة الحديث مستفيضة بلغت عند البعض حد التواتر.
وهذا لا يعني أن الكتابة (في حد ذاتها) هي المشكلة التي يخشاها النبي و صحابته, لأنه لا معنى للنهي عن (الكتابة) ما دامت الرواية (الشفاهية) جائزة, و إنما كان النهي قراراً تكتيكياً من النبي (ص) قصد به إبطال حركة التدوين الرسمي للحديث في عهده, لأنها الذريعة التي ستحول كلامه إلى دين يؤاخذ عليه الناس, و لا مانع بعد ذلك من أن يسمح لأفراد قلائل من الصحابة في مناسبات معينة, و لأسباب خاصة - كالاستعانة على الحفظ مثلاً - أن يدونوا بعض حديثة, فلكل قاعدة استثناء. و لا يصح القول هنا إن إذن النبي لبعض الصحابة بالكتابة - بتلك الاحتياطات- قد نسخ النهي العام الذي أصدره سابقاً,لأن حالات الخصوص لا تلغي عموم النهي كما يقول رشيد رضا, و كما تقول القاعدة الأصولية!.
لقد تنبه النبي إلى أن كتابة حديثه اليومي ستمنحه سمة الثبات و الديمومة التي تكون للنص الديني المقدس, و أن سكوته عن التدوين سيعد إقراراً منه أو قرينة على أنه من الوحي المحفوظ, فنهى عن الكتابة و أذن بالرواية - على سبيل الجواز لا الوجوب - إذ لم يكلف أحداً برواية حديثة. و الإذن برواية حديثه (شفاهاً) لا ضير فيه, لأن الرواية الشفهية تعرض المحفوظ للضياع. و تفقده القيمة التوثيقية التي تمنحه سمة الثبوت القطعي, الذي يسميه القرآن (البلاغ المبين) . و فعل الرسول هذا يندرج تحت القواعد الأصولية التي تقول بعدم جواز السكوت في محل البيان, و أن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع!.
إن شواهد النهي مستفيضة,و تبريراته متطابقة بين النبي و صحابته كما رأينا, و يعضد بعضها بعضا, و لا معارض لها أقوى منها دلالة, و المحدثون و الأصوليون لم ينكروا صحة أحاديث النهي و حقيقة وقوعه من قبل النبي (ص), و لا قالوا أنه تراجع عن هذا النهي, و إنما ذهبوا يبحثون لهذا النهي عن مبررات تبطله, و تسوغ عقيدتهم في الحديث!.
إلا أن هذه التبريرات - كما سنرى - لم تصمد لحجج العقل و النص: و من أشهر تبريراتهم تلك قولهم إن النبي (ص) قد نهى عن كتابة حديثه خوفاً من اختلاطه بالقرآن الكريم, و هي شبهة ساذجة, تعجب لذوي الصيت و الأسماء اللامعة كيف يتداولونها و لا ينكرونها, و تتبدى سذاجتها مع الملاحظات الآتية:
- تجاهل هذا التبرير و تجاوز تبرير النبي نفسه, و تبريرات صحابته التي تطابقت معه - كما رأينا في الروايات السابقة حيث قال: ما ضل الأمم قبلكم إلا بما اكتتبوا من كتب مع كتاب الله تعالى", فالنبي لم يقل أنه يخشى أن يختلط القرآن بالحديث كما يزعمون, و إنما قال إنه يخشى أن تضل أمته بكتابة حديثه, كما ضلت الأمم السابقة بكتابة كتب مع كتاب الله (الرسالة) , فهل بعد هذا من وضوح!. و هاهي الشواهد و الوقائع تؤكد ما كان يخشاه النبي(ص) و صار حديثه المصدر الثاني للإسلام بعد القرآن الكريم, و هاهم المحدثون يعلنون دون مواربة أن القرآن أحوج إلى الحديث من حاجة الحديث إلى القرآن, فهو يخصص عمومه, و يقيد مطلقه, و يبين مجمله, - وعند بعضهم - ينسخ أحكامه!.. باختصار: لقد قام الحديث بدور الحاجب على باب القرآن الكريم, و في أحيان كثيرة قام بدور الوصيّ المهيمن عليه!.
- كما تجاهل تبريرهم الساذج آيات القرآن الواضحة في أن الذكر محفوظ بحفظ الله، لا خوف عليه و لا هم يحزنون, مثل قوله تعالى:" إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون "!. ثم كيف يختلط كلام الله, ببلاغته و سمته و أسلوبه المعجز, بكلام البشر مهما كانت مكانتهم؟!.
- و هل كان عسيراً على النبي (ص) أن يحتاط لهذا الأمر بأن يخصص من الصحابة كتبة للحديث غير كتبة القرآن؟!و إذا كان هذا قد فات النبي (ص) فهل عجز الصحابة أن يفعلوه بعد وفاة النبي, وبعد أن استقر أمر القرآن و حفظ في السطور و الصدور؟!
- و لماذا لم نجد من كبار الصحابة أمثال: أبي بكر, و علي, و عمر, و عثمان, و بقية العشرة الكبار من مستشاريه, الذين أطلق عليهم المسلمون وصف: العشرة المبشرين بالجنة, اهتماما برواية الحديث (مجرد روايته) كما وجدناه من صغارهم أمثال: ابن عمر, و ابن عباس, و النعمان بن بشير, و أبي هريرة, و غيرهم؟.. هل قصر الصحابة في حفظ (البيان النبوي) -كما يسمونه- للقرآن الكريم؟.. لماذا تقاعس هؤلاء و هم أقرب الناس إليه وأدراهم بأحواله و كلامه و أفقههم بمقاصده عن تدوين حديثه أو حتى الاهتمام بروايته؟ بل لماذا حرصوا كل ذلك الحرص على منع التدوين, و محاصرة الإكثار من الرواية؟!.. ثم هؤلاء الذين تصدوا للرواية منهم فأكثروا, من الذي كلفهم برواية الحديث؟ و هل لو أنهم قرروا السكوت و عدم التحديث هل كان سيؤاخذهم أحد؟!
- إذن فقد تصدى بعض صغار الصحابة للحديث عن رسول الله بقرار ذاتي من عند أنفسهم فمن شار روى و من شاء سكت, و معنى هذا أن احتمال عدم ورود الحديث إلينا كان وارداً, فهل يترك الدين لمثل هذه الاحتمالات, و فرص الضياع؟!.
- إذا علمنا أن الحديث النبوي كله - تقريباً - قد نقل إلينا بمعناه لا بألفاظه التي قالها النبي (ص) فإن السؤال المنطقي هنا يقول: كيف نظمن أن مقاصد النبي لم تتغير بتغير ألفاظه, و نحن نعرف حساسية اللغة العربية و دقة اللغة القانونية و التشريعية؟!.
أما قولهم إن أحاديث النهي قد نسخت بأحاديث الإذن الثابتة, فقد قلنا إن النبي (ص) ربما سمح لأحد من الصحابة بكتابة بعض أحاديثه لأسباب خاصة و آنية مثل الاستعانة بالكتابة على الحفظ, و ما تقتضيه أمانة النقل أحياناً لأوامر و نواهٍ صادرة عن النبي بوصفه ولياً لأمر المسلمين, لا بوصفه النبي الرسول.. فهي كالقرار السياسي الذي يحتاج إلى نقل أمين, لكنه أبداً لن يتحول إلى دين!.. و الشيء الثابت هو أن الصحابة كانوا يستأذنون النبي في كتابة حديثه و هذا يعني أن الأصل في الأمر هو النهي حتى يأذن لأحدهم بعكسه.
ثم إن أبلغ دليل على بطلان حجة النسخ هذه هو مواقف الصحابة و أقوالهم بعد وفاة النبي (ص) الرافضة للتدوين أو الإكثار من رواية الحديث. و قبل هذا و ذاك فإن أحاديث الإذن بالكتابة - كما أسلفنا - هي حالات خصوص لا تنسخ عموم النهي, و لكل قانون استثناءاته ما دامت لن تخل بمقاصده العامة, هذا إذا صدقت هذه الأحاديث و لم تكن مجرد خدعة قصد بها تبرير التدوين!.
كما لا يجوز التشكيك - أيضاً - في صحة روايات النهي عن الكتابة, ليس لأن بعضها ورد في الصحاح, أو أن المختصين قد أقروا بصحتها, و إنما لأنها متكاثرة مستفيضة مؤيدة بكل الشواهد اللازمة لمثل هذه الحالات. و شيء آخر مهم هو أن دواعي (الوضع) متحققة في أحاديث الإذن أكثر من تحققها في أحاديث النهي: فالسياسية ومقتضياتها, و الزهاد, و الفرق المختصمة مذهبياً و قبلياً, و غيرها كلها تحتاج إلى (حجيّة الحديث) لأن القرآن وحده لا يسعفها في تحقيق مآربها و طموحاتها!, و لولا شرعية الحديث التي أرسوها ما قامت لبعضهم قائمة. إذ من أين يجد الشيعة- مثلاً - سنداً و مبرراً لمذاهبهم, و القرآن الكريم يخذلهم و لا ينصرهم بنص صريح لأية عقيدة من عقائدهم, و تأويل القرآن وحده لا يكفي لأن سلاح التأويل متوفر في يد الجميع, و لا غلبة إلا بنصوص من خارج أسوار القرآن الكريم, تحمل نفس القداسة أو بعضها!.
وهكذا قل على أمراء بني أمية و بني العباس و بني آبائهم من حكام المسلمين المتسلطين بقوة السلاح. من أين لهم أن يوطدوا سلطانهم, و يشرعنوا عبثهم و مظالمهم بدون نصوص مقدسة تأمر الناس بالسمع و الطاعة, و إن جلد الأمير ظهورهم و أخذ حقوقهم, ما دام يقيم الصلاة!.. إن القرآن العظيم لا يمنحهم مثل هذه النصوص الثمينة!.
إذن فدواعي وضع الحديث ودواعي شرعنته (جعله حجة شرعية) متوفرة بكثافة في ظروف زمن التأسيس, زمن ما بعد الفتنة الكبرى. و في المقابل لا نجد ما يكافئها من دواعي الوضع لأحاديث النهي عن الحديث, لأن كل الفرق آنذاك كانت تستزيد منه لتأسيس شرعيتها و بناء منظومتها عدا فرقة (الخوارج) التي حدت من هيمنة الحديث لصالح القرآن, إلا أن الخوارج باتفاق المحدثين لا يضعون الحديث!, لأن الكذب عندهم من الكبائر المخرجة من الملة, و إن روي أن أحدهم عمل في الوضع!. ثم إن هذه الفرقة لم يكن لها سلطان على المسلمين حتى تدفع باتجاه إضعاف سلطان الحديث, و من الواضح تماما أن أحاديث النهي خرجت باستفاضة من معاقل أهل السنة أنفسهم, و هذا يعد مؤشراً على صدق و إخلاص محدثيهم أمثال الإمام مسلم في تطبيق شروطهم الموضوعية في رواية و تدوين الحديث, مع عجزهم عن إدراك حقيقته!.
وقبل مغادرة هذا المحور لا بد من الإجابة عن سؤال يتكرر كلما استشهدنا بحديث من الأحاديث المنسوبة إلى النبي (ص) يقول: كيف تستشهدون بالحديث النبوي و أنتم تنكرونه؟ ألا يعد هذا تناقضا منكم؟!.
وكثير ممن يطرح هذا السؤال يفتقر إلى معرفة دينية كافية, فهو يجهل الفرق بين مسألتين في مجال علمي الحديث و الأصول: الأولى: (حجية الحديث) , و الأخرى: (ثبوت الحديث) . أما (حجية الحديث) فهي مبحث من مباحث (علم الأصول) , يشتغل به الأصوليون لا المحدثون, و يعنى بالإجابة عن سؤال محدد هو: هل كلام النبي (ص) من الوحي و الدين الواجب الاتباع أم من العوائد البشرية للنبي(ص) ؟. و أما (ثبوت الحديث) فهو قضية تاريخية يبحثها علماء الحديث (المؤرخون) و تعنى بالإجابة عن سؤال: هل هذه الرواية أو تلك ثابتة عن النبي (ص)؟ و كم درجة هذا الثبوت؟, و كل علوم الحديث التي تجاوز عددها عند ابن الصلاح (30) علما تحاول الإجابة عن هذين السؤالين تقريباً!.
وعلوم الحديث - بهذا المفهوم - داخلة في فن التأريخ و التوثيق لا في علوم الدين بالمعنى المباشر, بدليل أن اسناد الحديث و توثيقه لم يكن عملاً من أعمال النبي أو صحابته على الإطلاق!, و توثيق رواية من الروايات حتى يصح سندها و نسبتها إلى قائلها لا يعني أنها قد أصبحت ديناً يتعبد به!.
فليست قضيتنا إذن: هل هذا الكلام صادر عن النبي (ص) أم لا؟, و إنما قضيتنا: هل كلام النبي في ذاته من الدين الواجب الاتباع, أم أنه مما يصدر عنه بحكم العادة أو الاجتهاد البشري غير المقدس؟.
و هذا يعني بوضوح أننا نتعامل مع أحاديث النبي التي صح سندها كما نتعامل مع أية رواية تاريخية لأي عظيم!, فنقبل منها ما نقبل و نرد ما نرد, بحسب ما يتوفر من قرائن و شواهد تؤيدها أو تفندها!.. فليست العبرة بصحة (السند) , و إنما العبرة بصحة (المتن) , فكم من حديث صح سنده و بطل متنه, و أحاديث القراءات الشاذة مثل شرود على ذلك, فبالرغم من أنها قد وردت بطرق صحيحة إلا أنه لا يجوز القراءة بها!.
و سترد أمثلة كثيرة في هذا البيان لأحاديث صحت سنداً و بطلت مضمونا, و هذا ليس أمراً مستغرباً, و لا أتينا به من عندياتنا, بل هو حقيقة مقررة عند المحدثين جميعاً, يقول ابن الصلاح في مقدمته الشهيرة: "و متى قالوا هذا حديث صحيح فمعناه أنه اتصل مع سائر الأوصاف المذكورة، و ليس من شرطه أن يكون مقطوعاً به في نفس الأمر!, إذ منه ما ينفرد بروايته عدد واحد, و ليس من الأخبار التي أجمعت الأمة على تلقيها بالقبول, و كذلك إذا قالوا في حديث إنه غير صحيح فليس ذلك قطعاً بأنه كذب في نفس الأمر, إذ قد يكون صدقاً في نفس الأمر, و إنما المراد به أنه لم يصح إسناده على الشرط المذكور, و الله أعلم "".
و ابن الصلاح يقرر بوضوح أن صحة السند لا تعني صحة المضمون, و أن بطلان السند لا يعني بطلان المضمون, و أنه لا هذه و لا تلك تثبت أو تنفي يقينا صدور هذا الحديث أو ذاك عن النبي (ص), و هذه مسألة تدق على فهم العامة و من في حكمهم من المشائخ و الدعاة مع أنها في غاية الأهمية!.
و إذا قلنا بأننا نتعامل مع حديث النبي (ص) كما نتعامل مع كلام البشر الآخرين فذلك لا يعني أننا نسوّي بينه و بين الآخرين من الناس, و هو المشهود له بالخلق العظيم من الله العظيم, و إنما نقول إن كلامه صادر عنه بحكم العادة البشرية أو بحكم الاجتهاد المفروض على المسلمين - و هو رأس المسلمين و أول المكلفين به - لا بحكم نبوته, و أن اجتهاده مقدم على اجتهاد غيره إذا ناسب ظروف الفتوى, بشرط أن نضمن ثبوته عنه!.و قد قلت مراراً, و أثبت بالأدلة الظاهرة, أن الأنبياء يمارسون الاجتهاد, و أن اجتهادهم يخص عصرهم و جيلهم لا سوى, وأن رسالة الرسل هي الباقية في كل العصور ما لم تنسخ!.
ثالثاً: خلو القرآن من دليل واحد قطعي الدلالة في حجية الحديث: فعلى كثرة ما اختلف الناس في القرآن الكريم و عليه, إلا أنهم لم يختلفوا مطلقا على كونه النص الأعلى و المهيمن على ما عداه من النصوص عند المسلمين, و أن ما سواه يستمد شرعيته منه. و بناء على هذه المسلمة فإن القول بـ (حجية الحديث) و اعتباره المصدر الثاني للإسلام, لا بد أن يستند إلى برهان قاطع من القرآن نفسه, و ما لم يفعل فلا حجة فيه و لا إنكار على من رفضه!.و نعني بـ (البرهان القاطع) ما يسمى عند الأصوليين بالدليل الـ (قطعي الثبوت و الدلالة) . و يقصدون بـ (قطعي الثبوت) أن يكون الدليل قد نقل إلينا نقلا متواترا بواسطة طائفة كبيرة من الناس في كل جيل حتى يدون و يشتهر, لأن من المحال أن تتواطأ الأعداد الكثيرة من الناس على الكذب.
و من هذا الطريق جاء القرآن الكريم كاملا و السنة النبوية (بتعريفها الذي اخترنا هنا) , فلم يستطع أحد التشكيك في حرف من القرآن أو أركان السنن, و ذلك بعكس الحديث النبوي الذي نقل إلينا عن طريق آحاد الرواة عبر عدد من الأجيال حتى تم تدوينه, فدخله احتمال الخطأ و النسيان و الكذب, كما دلت الشواهد التي سجلها علماء الحديث و نقاده !.
أما قولهم (قطعي الدلالة) فيقصدون به أن يكون الدليل صريحا في معناه و دلالته بحيث لا يحتمل التأويل على أكثر من وجه.
و من المسلم به أن القرآن الكريم - في معظمه - ظني الدلالة إذ " منه آيات محكمات هن أم الكتاب, و أخر متشابهات.. ". و عند جمهورهم أن (المحكم) هو ما لا يقبل التأويل و يسمى قطعي الدلالة, و أن (المتشابه) هو ما يقبل التأويل و يسمى ظني الدلالة.
و قد فطن شيوخ السنة - و على رأسهم الإمام الشافعي - المؤسس الحقيقي لمذهب أهل السنة - إلى هذه الحقيقة, فذهبوا ينقبون في القرآن عن أدلة بهذا المستوى, بعد مواجهات عنيفة مع فرق إسلامية كانت تنكر حجية الحديث, و ما يعنينا من ذلك الخلاف هو أن الفرق الإسلامية قد اتفقت على أمور منها:
- لا يكون الدليل دليلا ملزما يكفر منكره حتى يكون قطعي الدلالة و الثبوت.
- أن القرآن الكريم نص قطعي الثبوت لا يشك في حرف واحد منه, و إن كان في معظمه ظني الدلالة.
- أن الحديث النبوي - في مجمله - ظني الثبوت, و إن كان من حيث الدلالة بين قطعي و ظني (و لا يعتد بكلام الظاهرية و من شايعهم في اعتبار خبر الآحاد مفيداً لليقين الذي يكفر منكره, لأنه قول بلا عقل و لا منطق, ونحن متعبدون بالحقائق, لا بأقوال الرجال مهما كانوا) .و هو ما يعني أن الحديث - من الوهلة الأولى - قد فقد أهم شروط الدليل الملزم, و هو شرط الثبوت اليقيني، و أصبح غير مؤهل للاحتجاج في إثبات أية مسألة أصولية, فما بالنا بمسألة (الحجية) و هي التي ترفع الحديث إلى المنزلة الثانية بعد القرآن الكريم.و بالاستناد إلى ما مضى من البدهيات و المسلمات الأصولية عند المسلمين نكون قد قطعنا نصف الشوط في هذا السباق, و لم يتبق إلا أن نثبت لشيوخ التقليد من غير المجتهدين - وهم الأغلبية الساحقة الماحقة في تاريخنا - أن ما حسبوه أدلة قطعية في دعواهم لم يكن كذلك, بل إن الأدلة كلها على عكس ما يذهبون إليه.و لن نحتاج إلى عناء كبير لإثبات ذلك إلا مع طائفتين من الناس هما: الجهلة و المكابرون, و مع هؤلاء كتب الله صوم الكلام.
1 - و أول ما يدفعون به في هذا الباب قول الله تعالى: " هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة ". و حجّتهم في الآية أنها فرقت - بالواو - بين شيئين هما: الكتاب و الحكمة, مما دل على أن هذا غير ذاك, و إذا كان (الكتاب) هو القرآن فلم يتبق إلا أن تكون (الحكمة) هي السنة! (و قد قلت إنهم يخلطون عن عمدٍ بين مفهومين مختلفين هما: السنة و الحديث) . و نحن لا نسلم لهم بهذا الفهم و نعتقد أن (الكتاب و الحكمة) شيء واحد هو القرآن الكريم, أو أن (الكتاب) هو ذلك المستوى القانوني من القرآن,و (الحكمة) هي ذلك المستوى الأخلاقي و القصصي فيه, مستندين إلى ما يلي:
- نص القرآن نفسه في قوله تعالى: " ذلك (أي الآيات التي سبقت) مما أوحى إليك ربك من الحكمة ".الإسراء. فالحكمة هنا بنص الآية هي آيات القرآن نفسه أو صفة من صفاتها أو مستوى من مستوياتها.
- كون (الواو) الفاصلة بين لفظي (الكتاب و الحكمة) ليست واو المغايرة كما توهموا, و إنما هي للتفصيل بعد الإجمال, مثلها مثل الواو بين ألفاظ: الفرقان و الضياء و الذكر, في قوله تعالى: " و لقد آتينا موسى و هارون الفرقان و ضياء و ذكرا للمتقين " الأنبياء. و مثل الواو الفاصلة بين: الملائكة و جبريل في قوله تعالى: " قل من كان عدوا لله و ملائكته و جبريل..", فلم يقل أحد إن (الفرقان و الضياء و الذكر) ثلاثة كتب أنزلت على موسى و هارون, و لم يقل أحد أن جبريل ليس من الملائكة لأن الواو فرقت بينهما!.و يسمى هذا الأسلوب في اللغة بأسلوب (اللف و النشر) , و يقصدون باللف الإجمال, و بالنشر التفصيل, و من شواهده في القرآن أيضاً قوله تعالى: " و خلق لكم الليل و النهار, لتسكنوا فيه, و لتبتغوا من فضله ", و المعنى أن الله خلق الليل لتسكنوا فيه, و خلق النهار لتبتغوا من فضله "، و لكن الآية (لفت) الليل و النهار في جملة, ثم (نشرت) ما يخص كل منهما في جملة تالية.
و مما يعزز هذا الرأي أن لفظ الحكمة قد ورد في القرآن الكريم - أيضا - وصفا للكتب السماوية المتنزلة على الرسل من الملة الحنيفية, قال تعالى: " فقد ءاتينا ءال إبراهيم الكتاب و الحكمة و ءاتيناهم ملكا عظيما ". كما وردت في سياق الحديث عن عيسى عليه السلام قال تعالى: " و يعلمه الكتاب و الحكمة و التوراة و الإنجيل ", و في آية: " و علمناه الكتاب و الحكمة و التوراة و الإنجيل ", فهل علم عيسى أربعة كتب؟!.
الحقيقة أن الآية تتحدث عن كتابين فقط تعلمهما عيسى عليه السلام, أطلقت الآية على أولهما صفة (الكتاب) و على الآخر صفة (الحكمة) , أما الكتاب فهو (التوراة) التي أنزلت على موسى عليه السلام, و التوراة لفظ عبري يعني (الشريعة) , و أما الحكمة فهي (الإنجيل) الذي أنزل على عيسى نفسه, و الإنجيل كلمة يونانية تعني (البشارة) , أقول هذا بدلالة أمرين اثنين: الأول: أن عيسى عليه السلام قد بعث بالإنجيل تابعا لشريعة موسى مخففاً لا ناسخا لها بالجملة, جاء في القرآن على لسانه:" و مصدقا لما بين يدي من التوراة و لأحل لكم بعض الذي حرم عليكم (في شريعة موسى) و جئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله و أطيعون ". و هو ما تؤكده الأناجيل أيضا, يقول إنجيل متى على لسان المسيح: " لا تظنوا أني جئت لأبطل الشريعة و تعاليم الأنبياء, ما جئت لأبطل بل لأكمل ". و الآخر: أن القرآن يسمي الإنجيل حكمة قال تعالى: " فلما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة "، و من المسلم به أن عيسى لم يأت بغير الإنجيل الذي تنزل عليه.. فهل نقول إن عيسى قد جاء بالسنة؟!.
و المسيحيون اليوم (البروستانت على وجه التحديد) قد جمعوا بين الكتابين في كتاب واحد أسموه (البيبل) , و أطلقوا على التوراة و ملحقاتها اسم (العهد القديم) و على الأناجيل و ملحقاتها اسم (العهد الجديد) . و يقصدون بالعهد (الميثاق) كما جاء في مقدمة الأناجيل التي أخرجتها لجنة مؤلفة من علماء لاهوتيين ينتمون إلى مختلف الطوائف المسيحية, من إنجيلية و كاثوليكية و أرثوذكسية الطبعة الثانية: 1997.
أما لماذا وصفت التوراة بـ (الكتاب) و وصف الإنجيل بـ (الحكمة) فأرى - و الله أعلم - أن ذلك بسبب طابعها و سماتها الغالبة: فالتوراة - في أغلبها - كتاب شريعة و قانون - و قد قلنا أن معناها في العبرية: الشريعة - و هذا واضح لكل من اطلع على بقاياها في التوراة المتوفرة!, و أما الإنجيل فهو في معظمه كتاب مواعظ و نبوءات, بدليل (موعظة الجبل) التي تعد من أطول و أشهر المواعظ الدينية في الكتب المقدسة. و لأن الشريعة تستهدف المجتمع قبل الفرد فإنها عادة تدون في السطور للرجوع إليها عند الحاجة, و لهذا ناسب أن تسمى كتابا, و لأن الإنجيل يعنى بضمير الفرد بالدرجة الأولى, فقد ناسب أن يسمى حكمة, فمحل الشريعة السطور و محل الحكمة الصدور!.. و القرآن الكريم هو النسخة السماوية المنقحة من الكتب السماوية التي سبقته, فهو - بالإضافة إلى ما انفرد به من سمات خاصة - الخلاصة المنقحة للتوراة و الخلاصة المنقحة للإنجيل, و هو كلمة الله الأخيرة الجامعة, و لهذا استحق أن يوصف بما و صفت به التوراة و الإنجيل معا: الكتاب و الحكمة!. و هذا لا يعني أن لفظ الحكمة قد اختصت به الكتب السماوية والأنبياء من دون الناس, فالحكمة عطاء رباني يهبه الله لمن يشاء من الخلق, قال تعالى: " و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ".
ـ - و من القرآئن النصية على أن الحكمة في القرآن تعني القرآن نفسه أو مستوى من مستوياته لفظ (يتلى) في قوله تعال من الآية نفسها واصفاً وظيفة الرسول (ص) بقوله: " يتلو عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة ", و في قوله تعالى مخاطباً نساء النبي عليه الصلاة و السلام: " و اذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله و الحكمة ", إذ التلاوة نطق مخصوص عرف به القرآن دون سواه " أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ", و لم تأت التلاوة في القرآن مضافة إلى غير الكتاب..و لا عبرة بما ذهب إليه الشافعي في كتابه (الأم) من أن التلاوة هي مجرد النطق. يؤيدنا في ذلك الإمام ابن حزم, الذي يرى أن الحديث (يقرأ) و لا (يتلى) !.
و لا عجب أن يخطئ الشافعي هنا فهو ممن يعتقدون بوجود الترادف في اللسان العربي و القرآن الكريم, و لم يكن قد فطن إلى خطورة هذا القول على القرآن, و لا إلى حساسية لغة القرآن و الفروق الدلالية اللطيفة بين ألفاظه, كما تبين للدارسين اليوم - و قبل اليوم - بعد نضج الدرس اللغوي و القرآني, حتى أن هذه الفروق اللطيفة قد صارت وجها من وجوه الإعجاز البلاغي للقرآن الكريم. إلا إذا قالوا إن الشافعي كان خاتم الفقهاء المسلمين و أنه قد قال الكلمة الفصل في الدين إلى يوم الدين!.
- و أخيراً فإن الشافعي نفسه قد كفانا عنت الحجاج و التخريج, حين أقر في مناظرة سجلها كتابه (الأم) مع أحد منكري حجية الحديث في عصره, بأن تأويل لفظ (الحكمة) في الآية بـ (السنة) هو مجرد احتمال, و إن كان الاحتمال الأرجح من وجهة نظره. و لنا اليوم أن نقول له: بل هو الاحتمال الأضعف يا سيدي, بل هو الاحتمال الخطأ!.
و إقرار الشافعي بأن تأويله للفظ (الحكمة) هنا مجرد احتمال يعني قطعاً أن الآية ليست قطعيّة الدلالة في إثبات حجية الحديث, و من ثم لم تعد حجة ملزمة لسواه, خصوصا و نحن في معرض إثبات أو نفي للمصدر الثاني للدين.. و الأصول كما يقول الشاطبي - و غيره من الأصوليين - لا تثبت بالظن, فما بالنا بأم الأصول, المصدر الثاني للتشريع, و ما بالنا و قد دلت الدلائل و أشارت القرائن على خطأ ما ذهبوا إليه !.
2 - كما أنهم يستدلون - أيضا - بقوله تعالى: " و أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم " النحل: 44
و مبلغ فهمهم من الآية أن الله قد أنزل على رسوله الذكر (السنة بحديثها) ليبين للناس (المسلمون) ما نزِّل إليهم من القرآن الكريم. و سمعت أحدهم في قناة فضائية يناضل عن حجية الحديث. و يفسر الآية قائلا: الذكر في الآية هو القرآن نفسه (قلت في نفسي أحسنت) ثم أردف قائلا: لكن نسبة (البيان) إلى الرسول عليه الصلاة و السلام يدل على أنه هو المكلف ببيان القرآن!, فتأكد لي أن الرجل لم يأخذ قسطاً كافياً من النوم, وأن هذا الفهم من ذاك الأرق!..إذ على حسب فهم هذا الداهية سيصبح معنى الآية: إن الله تعالى قد أنزل القرآن على رسوله ليبين بسنته القرآن !! و هذا يشبه قول أحد الحشاشين: إن المطر ينزل من السماء لأنه لا يصعد!.
و بالعودة إلى أصحاب الفهم الأول فإنني لا أدري - و لا أظنهم يدرون - كيف فسّروا (الذكر) هنا بـ (السنة) , و قد رأيناهم قبل قليل يفسرون (الحكمة) بـ (السنة) , و كأن القرآن كان عاجزاً عن الإتيان بنص صريح لا يحتمل الشك في مسألة خطيرة لا تحتمل الظنون!.
و هم عندما يؤولون هذا اللفظ أو ذاك بالسنة لا يقصدون أن هذا في لغة العرب, و إنما يقصدون أن هذا في لغة القرآن خاصة, وهو و لا شك فهم أعرج لا تحتمله لغة القرآن, و لا لغة العرب, و لا لغة العقل, كما سيتضح بعد قليل.
أقول: لعلهم توهموا - إذ نسبت الآية (البيان) إلى الرسول لا إلى الذكر - أن للرسول بياناً خاصاً غير الذكر!, و لنا مع هذا الفهم الوقفات التالية:
- نسبة البيان إلى الرسول (ص) هو من باب المجاز الذي علاقته السببية ولا يحتاج هذا إلى تأكيد, بدليل أن هذه النسبة قد وردت في آية أخرى قُصد بها القرآن الكريم دون خلاف. قال تعالى: " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ", ولم يقل أحد إن الرسول هنا قد جاء بالحديث ليبين لأهل الكتاب ما كانوا يخفون من الحق في كتبهم المقدسة، فمجيء الرسول هنا هو مجيء الرسالة (القرآن الكريم) باتفاق المسلمين. و الآية واضحة في أن بيان الرسول هو ذاته بيان الرسالة (القرآن الكريم) , لا بيان الحديث!.
- و لو أنهم نظروا نظرة في سياق الآية لتبين لهم أن المقصود بها بيان القرآن الكريم لما جاء في الكتب السماوية السابقة عليه مما أخفاه أهل الكتاب - كما ذكرت الآية السابقة - قال تعالى: " و ما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا (يا أهل الكتاب) أهل الذكر (أهل القرآن) إن كنتم لا تعلمون بالبينات و الزبر, و أنزلنا إليك (يا محمد) الذكر (أي القرآن) لتبين للناس (أهل الكتاب و من في حكمهم من الجهلة) ما نزل إليهم (من الكتب السماوية السابقة) ".
و كان الله سبحانه و تعالى قد أخذ ميثاق بني إسرائيل بعد أن أنزل التوراة على موسى أن يبينوا للناس الحق الذي فيها و لا يكتمونه، قال تعالى: " و إذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس و لا تكتمونه "، و هو ما تؤكده التوراة أيضا, إلا أنهم نقضوا العهد و كتموا الحق, فخاطبهم الله مبكتا و فاضحا: " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا (أي محمد) يبين لكم (لا للمسلمين) كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ". و هذا ببساطة معنى قوله تعالى" " و أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس (أي أهل الكتاب) ما نزل إليهم (من الكتب) ", و هذه هي حجة السياق, و هذا هو تفسير القرآن للقرآن!.
-ثم إن لفظ (الذكر) إذا أطلق في القرآن الكريم فإنه يعني القرآن أو الكتب السماوية., بدليل قوله تعالى:" ذلك (أي آيات القرآن التي سلفت) نتلوه عليك من الآيات و الذكر الحكيم ", و الحكيم من (الحكمة) , و قد قلنا إن هذه الأخيرة صفة من صفات القرآن أو مستوى من مستوياته. و الذكر الحكيم هنا هو القرآن باتفاق, ثم بدليل قوله تعالى: " إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون ", فمما لا خلاف عليه أن القرآن هو الكتاب السماوي الوحيد الذي تكفل الله بحفظه من الضياع و العبث, و لا يجوز هنا أن نقول - كما قال الشافعي - إن الحديث و السنة داخلتان في مفهوم الذكر لما سلف من الأدلة, ثم لما يترتب عليه من فساد خطير!,إذ سيلزمنا ذلك بالقول إن بعض الذكر قد تعرض للوضع و الخطأ و النسيان, و هو ما تعرض له الحديث النبوي كما يعلم القاصي و الداني, و هو ما يتعارض مع منطوق الآية!.. و للإمام محمد عبده كلام نفيس في هذا الباب يقول فيه: " جاء في الكتاب المبين (إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون) ذلك الذكر هو الذكر الحكيم, هو القرآن الذي (أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) هو كما قال (كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون) وعد الله بحفظ هذا الكتاب, و قد أنجز وعده, لم تطل إليه يد عدو مقاتل, و لا يد محب جاهل, فبقي كما نزل, لا يضره عمل الفريقين في تفسيره و تأويله, فذلك مما لا يلتصق به, فهو لا يزال بين دفات المصاحف طاهراً نقياً, بريئاً من الاختلاف و الاضطراب, و هو إمام المتقين, و مستودع الدين, و إليه المرجع إذا اشتد الأمر, و عظم الخطب, و سئمت النفوس من التخبط في الضلالات. و لا يزال لأشعة نوره نفوذ من تلك الحجب التي أقاموها دونه, و لا بد أن تتمزق كلها بأيدي أنصاره, فينبلج ضياؤه لأعين أوليائه, إن شاء الله تعالى) !.. (عن: الإسلام و النصرانية.. مع العلم و المدنية) .
لا حظ معي تجاهل الإمام للحديث كقيمة تشريعية, ثم لاحظ قوله " و لا يزال لأشعة نوره نفوذ من تلك الحجب التي أقاموها دونه, و لا بد أن تتمزق كلها بأيدي أنصاره, فينبلج ضياؤه لأعين أوليائه ".. تُرى من الذي أقام الحجب دون القرآن غير المسلمين ؟ و من هم أنصاره من بينهم ؟!.
و لأنهم لا يستطيعون إنكار أن الحديث النبوي قد تعرض للتزوير و الوضع و النسيان (فذلك من بدهيات علم الحديث) فقد ذهبوا يتشبثون بمقولة تالفة مفادها أن الحديث قد أخذ من عناية علمائه فحصاً و نقداً و ضبطاً ما ينقيّه و يحميه من وضع الوضّاعين و خطأ الخطّائين, و هم يطنبون هنا في ذكر معايير و شروط النقد المنهجي الدقيق, التي توسل بها علماء الحديث لتنقيته و حمايته.و لنا مع هذا القول وقفات و جلسات و أدلة تلقف ما يأفكون, ستذكر في محلها من هذا البيان. إلا أن المناسبة هنا تقتضي ذكر شبهة مضحكة سمعتها من بعض الذين حاورناهم في هذا الباب, فبعد أن سلموا لنا بأن الحديث النبوي قد تعرض للوضع و التزوير و الخطأ و النسيان قالوا: إلا أن الله قد حفظ - في الصحاح - ما نحتاج إلى حفظه في فهم الشريعة, و من ثم هو من الذكر المحفوظ!, و أما ما تعرض منه للخطأ و التزوير فهو مما سمح الله بذهابه, و لا يدخل في الذكر المحفوظ!!.
و هو قول - كما ترى - يخرج من مشكاة واحدة مع قول أهل الكتاب الذين قالوا: إن الله قد حفظ من التوراة و الإنجيل ما نحتاج إلى حفظه فقط, و أما ما لا نحتاج إليه فقد سمح الله بتبديله و تحريفه!.و هي و لا شك طريقة جنونية للهروب من الحجج الدامغة إلى نوع من الهرطقة التي لا تغري عاقلا بمناقشتها!.
و من القرائن اللغوية على أن المقصود بالبيان هم غير المسلمين لفظ (للناس) الوارد في الآية, الذي يصرف الذهن إلى غير المسلمين, فقد عودنا القرآن في مخاطبة المسلمين أن يخاطبهم بصفة الإيمان (يا أيها الذين آمنوا) و لا قرينة هنا تصرف هذه العادة !.
- أما إذا جعلوا أصابعهم في آذانهم عن كل هذه الأدلة, و أصروا على أن معنى البيان في الآية هو بيان السنة للقرآن قلنا لهم: أخبرونا دام فضلكم أين نجد ذلك البيان؟!.. أين تفسير النبي (ص) للقرآن, و نحن لا نجد منه إلا سطورا قليلة حولها كلام كثير؟!.. فإذا كان النبي لم يفسر القرآن - كما صرحت بذلك زوجه عائشة رضي الله عنها, و كما يؤكد واقع الحال أيضا - فما معنى بيان النبي للقرآن إذن؟!..
فإذا قلتم: إن السنة العملية هي البيان المقصود, قلنا: لم نختلف على ذلك, لكن ما علاقة الحديث بالسنة و قد بيّنّا الفرق الحاسم بينهما؟.. ثم إن السنن العملية معدودة و محدودة و لا تحتاج إلى الحديث, لأن الأعمال تنقل بالتواتر العملي عبر الأجيال لا عبر المدونات و الكتب, و إن جاءت الكتب بعد ذلك و دونت هذه الطقوس و الأعمال, فذلك عمل يدخل في فن التأريخ لا في علوم الدين, و إلا فقولوا لنا كيف كان يصلي الناس قبل هذه الكتب؟! لقد كتب البخاري كتابه في منتصف القرن الثالث الهجري, فهل كان الناس قبل صحيح البخاري يجهلون تفاصيل الصلاة و الزكاة و الحج, على مدى 250 سنة؟!.
وحتى الصلاة و هي أشهر السنن العملية على الإطلاق لا نجد لكثير من تفاصيلها بياناً في الحديث, و هي غير مُبيّنَة أصلاً في القرآن الكريم, مما اضطر العلماء إلى الاستنباط و الاجتهاد لمواجهة أسئلة السائلين!, و للقارئ أن يرجع إلى كتاب (صفة صلاة النبي) للمحدث الألباني, ليرى كم حديثا ورد في بيان الصلاة, و كم من الأسئلة حولها مازالت تحتاج إلى بيان لم يرد في كتاب و لا حديث!.. ثم إن الحديث نفسه بحاجة - في كثير من الحالات - إلى بيان, فكيف يكون مبيِّناً من يحتاج نفسه إلى بيان؟!.
3 - و من حججهم القرآنية أيضا قٌوله تعالى: " و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا " و قوله تعالى " و أطيعوا الله و أطيعوا الرسول " و " من يطع الرسول فقد أطاع الله ".
و يعتقدون أن هذه الآيات تعطي الرسول طاعة مخصوصة بدليل إضافة الطاعة إلى الرسول منفصلة عن طاعة الله, و هو ما يعني أن الرسول مخوّل بالتشريع المستقل, و من ثم الطاعة المستقلة, و طاعته هنا من طاعة الله. و لنا على هذا الفهم الملاحظ الآتية:
قد بينا سلفا الفروق الدقيقة بين مقامي الرسالة و النبوة, و قلنا إن السنة امتداد لمقام الرسالة, و أن مقام الرسالة هو مقام التبليغ فحسب, و أن (البلاغ) يعني الإعلان العام للناس كافة, و أن (المبين) هو الواضح الذي لا لبس فيه, و قلنا إن الحديث امتداد لمقام النبوة, و ما يتفرع عنه من مقامات, و أن مقام النبوة هو مقام الاجتهاد و الرأي.و بناءً عليه فإن طاعة الرسول هي طاعة الرسالة نفسها (القرآن الكريم) ومنها (السنة العملية) التي أشارت إليها الرسالة, كما بينا ذلك سلفا.و إذا كان من خصوصية للرسول فهي طاعته في السنة بمعناها الذي ذهبنا إليه.
و ما لم يكونوا يتوقعونه هو أن تكون هذه الآية حجة عليهم لا لهم, فالآية تأمر هم أن يأخذوا ما جاء به الرسول و تنهاهم عما نهى عنه الرسول, و الرسول قد جاء بالرسالة (القرآن) قطعاً, و نهى عن كتابة الحديث باتفاق, و لا يصح القول إنه قد نهى عن الأخذ بما جاء به !, فمن منّا عصى الأمر و خالف النهي يا ترى!.
4 - و من الآيات التي يكثرون الاستشهاد بها كلما ضيقنا عليهم الخناق قوله تعالى في حق الرسول عليه الصلاة و السلام: " و ما ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى علّمه شديد القوى" النجم:
و الحقيقة أن هذه الآية تضعهم أمام خيارين حرجين لا ثالث لهما: فإما أن يقولوا إن كل ما نطق به النبي (ص) داخل في معنى الوحي, و حينها سنطالبهم بـ (23) عاماً من الوحي ليس بين أيدينا منها سوى (50) ألف حديث معتبر, لا تكفي لشهور معدودة, و هو ما يعني أن الجزء الأكبر من الوحي لم يصل إلينا. و إما أن يقولوا بأن الرسول (ص) كان يصدر في بعض الحالات عن الوحي, و يصدر في حالات أخرى عن عادة أو اجتهاد, و هو ما عبر عنه صاحب (النبأ العظيم) العلامة عبدالله دراز بقوله: " أما الأحاديث النبوية فإنها بحسب ما حوته من المعاني تنقسم إلى قسمين " قسم توفيقي " استنبطه النبي بفهمه في كلام الله أو بتأمله في حقائق الكون, و هذا القسم ليس كلام الله قطعاً. و " قسم توقيفي " تلقى الرسول مضمونه من الوحي فبينه للناس بكلامه. و هذا القسم و إن كان ما فيه من العلوم منسوباً إلى معلمه و ملهمه سبحانه, لكنه - من حيث هو كلام - حري بأن ينسب إلى الرسول صلى الله عليه و على آله و سلم, لأن الكلام إنما ينسب إلى واضعه و قائله الذي ألّفه على نحو خاص و لو كان ما فيه من المعنى قد تواردت عليه الخواطر و تلقاه الآخر عن الأول."
و هنا يكون من المنطقي أن نسأل: كيف تستطيعون التمييز بين ما هو وحي و ما هو عادة؟ ما هو توفيقي و ما هو توقيفي؟ ما هي المعايير؟و إلى كم ستختلفون حول هذه المعايير, و كيف قضيتم (13) قرنا من الزمان و أنتم تخلطون بين كلام الله و كلام البشر, و تقولون هذا من عند الله, و ما هو من عند الله, ثم تزعمون اليوم أنكم قادرون على التفريق بين ما كان إلى الأمس وحياً و ما أصبح اليوم عادة؟!..
الحقيقة واضحة مثل الشمس و بدعتكم واضحة مثل الظلام, و الآية مكيّة باتفاق, و قد نزلت لدفع شكوك مشركي مكة أيام كان التشكيك في القرآن لا في الحديث!. و قد تقدم و عرضنا في بند سابق رأي العلماء المحققين في هذا الأمر، كما نقله الدكتور عبد المنعم النمر. و لو أننا أعدنا قراءة الآية بما يفسرها لكانت على النحو الآتي: " و ما ينطق (الرسول) عن الهوى, إن هو (الشأن - القرآن) إلا وحي يوحى, علمه شديد القوى (جبريل) ". و سبق أن قلت إنه لا يجوز أن يظل الأمر ملتبساً على المسلمين بين ما يصدر عن النبي من مقام الوحي, و ما يصدر عنه بحكم العادة و الاجتهاد, ما دام و قد ثبت عنه ذلك. لأن اللبس هنا و الغموض لا يعني سوى الوقوع في الشرك!, و لن يكون هذا الوضوح متحققاً إلا إذا فصلنا في المقامات التي يصدر عنها النبي (ص) فصلاً واضحاً, أما وضع معايير جديدة باجتهاد الفقهاء للفصل بين ما هو من الوحي و ما هو من الاجتهاد فلن يزيد الطين إلا بلّة, و لن يزيد الظلمة إلا عتمة!.
إذن فإن فهمهم لهذه الآية (وكل الآيات السابقة و اللاحقة) سيفتح ثغرة للتشكيك في سلامة الوحي برمته, ما دام لم يصلنا من كلام النبي إلا ما ساعدت الصدفة على بقائه, بفضل هذا الراوي أو ذاك ممن أحب - دون تكليف من أحد - أن يروي ما سمع من النبي أو عنه, في هذه القضية أو تلك, حسب ما تسعفه الذاكرة, فقد كان الرواة مخيَّرون بين أن يرووا هذا الحديث أو ذاك, أو لا يروونه, و لا أدري كيف يترك الوحي لكل هذه الاحتمالات لو كانوا يعقلون!.
6 - كذلك يحتجون بقوله تعالى في خطاب المؤمنين: " فليحذر الذين يخالفون عن أمره (أمر الرسول) أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ".
و نحن لو بحثنا عن آية تدين القائلين بحجية الحديث فلن نجد أفضل من هذه!, لأنهم أصرح من خالف أمر الرسول (ص) إذ قال لهم في رواية مسلم -: لا تكتبوا عني غير القرآن و من كان كتب فليمحه.". و وجّه بالاكتفاء بالقرآن الكريم وحده - حسب رواية مسلم -" اَمَّا بَعْدُ اَلاَ اَيُّهَا النَّاسُ فَاِنَّمَا اَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ اَنْ يَاْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَاُجِيبَ وَاَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ اَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ " . فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ " وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي.. " . وأخذ يصف الكتاب دون أن يرد أي ذكر للسنة أو الحديث, و هو سكوت له دلالته، و لو انه ترك مع القرآن مصدراً آخر للدين لذكره يقيناً, لأن السكوت في وقت الحاجة إلى البيان غير جائز, و إنما ختم الحديث بوصية في (أهل بيته) , و هم نساؤه على وجه اليقين, و أحفاده - معهن - على وجه الظن.
و قد سبق و بينت في مقال سابق عنوانه (في الطريق إلى الخلاص) حقيقة مفهومي: أهل البيت و آل البيت, أين يبدآن و أين ينتهيان قلت بعد التهذيب: هناك حقيقة تساهل أصحاب الاختصاص في بيانها على الرغم من أهميتها الإستراتيجية في حسم مسألة آل البيت وهي أن (أهل البيت) و (آل البيت) مفهومان لغويان عرفيان يدل الأول منهما على القرابة من الدرجة الأولى (الزوجات و الأولاد) و يدل الثاني على القرابة من الدرجات الأخرى (الأعمام و أبناء الأعمام مثلا) . لكن هذين المصطلحين يتوقفان عن الدلالة عند الجيل الرابع من الذرية، كما يقول ابن خلدون - مستندا إلى عرف العرب و لغتهم.و بهذا يكون آل النبي (ص) قد انتهوا عند جيل الإمام زيد بن علي, و أما ما وراء ذلك فيدخل تحت مسمى الذرية!.
و قد احتاط بعض الأذكياء منهم لهذا الأمر منذ البداية فذهب يصنع لنا حديثا نبويا يقول ما معناه " كل سبب و نسب منقطع غير سببي و نسبي "!. و بعيداً عن درجة صحة هذا الحديث, و بغض النظر عن كونه من أخبار الآحاد التي لا تفيد إلا الظن - كما يؤمنون هم أيضا - و بغض الطرف عن حجيّة الحديث النبوي برمته, كما سنبين لاحقا بالتفصيل في مقال قادم إن شاء الله, (و ها نحن نفي بالوعد) فإن هذا النص لا دلالة فيه على ما يبتغون!, فمعنى الحديث - إن صح: أن (نسب) النبي (ص) إلى جده إبراهيم عليه السلام متصل غير منقطع، و هذا صحيح و لا غبار عليه, مع أن المؤرخين لم يستدلوا على هذا النسب كاملاً بالإسم !. ذلك بالنسبة لـ (النسب) المقصود, أما (السبب) المقصود في الحديث فيعني به ذريّة النبي من بناته, وهذا أيضاً لا دلالة فيه على شيء, لأن الذريّة شيء و الآل شيء آخر !. الذرية امتدادٌ (بيولوجي) للشخص, و الآل (مصطلح عرفي) له بداية و نهاية!, و شواهد كذب هذه الرواية كثيرة لا حصر لها و ليس هذا مقامها. ثم إن الإسلام أعظم من أن ينصِّب للناس صنماً جديداً اسمه (آل البيت) حتى لو كانوا ملائكة, فما بالك و فيهم من الفسقة, و الملاحدة, و العصاة, و المجرمين, ما تقرّ به عين الشيطان نفسه!.".. و لما فطن القائلون بحجية الحديث, و مخترعوا مذاهب التشيِّع إلى أن رواية مسلم السابقة تخذلهم في دعاويهم, ذهبوا يصنعون روايات مشابهة، بعد إجراء عمليات (مونتاج) فني بالحذف و الإضافة!, تخدم عقيدتهم.
و لأن حوارنا هنا مع أهل السنة خاصة, فسنذكر لهم رواية مصنوعة تتلافى ما فاتهم في رواية مسلم أعني تلك الرواية الشهيرة على ألسنتهم التي تقول: تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله و سنتي.و لنا مع هذه الرواية الوقفات التالية:
- مالنا نراكم مغرمين بهذه الرواية التي وردت في مسندي أحمد و الترمذي متجاهلين رواية مسلم مع أن الأخيرة أقوى منها؟.. أين حرصكم المعلن على روايات الصحاح؟.. أم إن الأمر خاضع للبرجماتية الصرفة؟!,ثم ألا تعد روايتكم هذه شاذة لأنها خالفت ما هو أصح منها؟.
- إننا نصدق رواية مسلم التي أغفلت ذكر السنة إلى جوار القرآن, و ذلك لأن الشواهد المتكاثرة من القرآن و الحديث و التاريخ و العقل تؤيدها كما بينا سابقاً. و لأن شروط مسلم في التثبت أعلى من شروط المسانيد.
- ثم كيف جاز على الرسول (ص) أن ينسى ذكر السنة في رواية مسلم مع أن هذا محلّ بيانها, و قاعدتكم الأصوليّة تقول: لا يجوز السكوت في وقت الحاجة إلى البيان؟.. فإذا قلتم إن النبي (ص) لم ينس و إنما يحتمل أن يكون الراوي هو الذي نسى, قلنا لكم: ما دام احتمال النسيان قائماً في رواية الحديث بالرغم من كل هذه الاحتياطات التي قامت حول تدوينه, فكيف نضمن أن الشريعة قد وصلت إلينا كاملة دون نقص؟!.
- ثم لو صح يقينا نسبة هذه الرواية (السنيّة) إلى النبي (ص) - و هو ما لن يحدث - فليس لكم فيها حجة, لأنها تتحدث عن السنة لا عن الحديث, و خلافنا معكم على حجية الحديث لا على حجية السنة!. و لعل هذه الرواية هي التي دفعت الأمام الشافعي ليصنع لنا (خلطة الحريو) تلك التي جعلت فعل الرسول و أقواله و تقريراته تحت عنوان واحد أسماه (السنة) , إذ لايمكنه الاستفادة من هذه الرواية إلا بهذا التأويل البعيد!.
7 - و من آخر ما يحتجّ به القوم في إثبات دعواهم قوله تعالى: " فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم, ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت و يسلّموا تسليما " النساء:80
و الآية بوضوح تتحدث عن النبي (ص) في مقام القضاء, بدليلً: " يحكموك فيما شجر بينهم ", " مما قضيت ".و مقام القضاء هو أحد مقامات ولي الأمر آنذاك, إذ لم يعرف العرب الدواوين إلا في عهد عمر.. و قد كان الرسول (ص) في صحابته هو ولي أمرهم و قاضيهم الأول, و الاحتكام إليه فيما شجر بينهم واجب شرعي, بدليل قوله تعالى في حق ولي الأمر: " و أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم ".و عدم الاحتكام إليه يعد طعناً مبطّناً في نبوته, و عصياناً لولايته!, لأن مقام ولاية الأمر - كما أسلفت - فرع عن مقام النبوة..فأما طاعة الله فهي طاعة كتابه و طاعة رسله و أنبيائه, وهي طاعة مؤبدة لأنه الحي الذي لا يموت, و أما طاعة رسوله فهي طاعة رسالته و دعوته في زمانه و بعد زمانه, ما بقيت الرسالة, و أما طاعة أولي الأمر فهي طاعة مشروطة بزمانهم و بمدى صحة أوامرهم. و إذا كان النبي (ص) هو ولي أمر المسلمين في زمنه فقد خلفه في ولاية أمر المسلمين أصحابه الراشدين, و لهذا كان يسمى أحدهم (خليفة رسول الله) , و المعنى أنه خليفة رسول الله في ولاية أمر المؤمنين لا في الرسالة و النبوة!.
فالرسالة باقية ببقاء الناس, و النبوة باقية ببقاء النبي, و ولاية الأمر متجددة متغيرة بتغير الأجيال, إذ كل جيل في زمانه يختار أولياء أمره, و لو كان الأمر غير ذلك لكان أبو بكر, و عمر, و عثمان, و علي, هم أولياء أمورنا حتى اليوم!, بل لكان كل أمراء بني أمية, و بني العباس, و بني آبائهم من حكامنا, هم أولياء أمورنا حتى اللحظة, و عندها سنغني مع المغني " هيا الحالة إيه "!.
و هذه الآية لا تختلف كثيراً عن آية " و شاورهم في الأمر", و نحن نسأل القوم: هل مازال النبي (ص) يشاورنا حتى اليوم ؟ أم أن الآية تخاطب ولي أمر الجماعة المسلمة في مقامه الزائل, لا في مقام الرسالة الخالد؟ و هكذا آية الحكم و القضاء, و قد أسلفنا الحديث عن معاني لفظ (الأمر) في بند سابق.
و مع ذلك دعنا نخالف كل هذه الفهوم لأجل عيون القوم, الذين سيتخذون منها مدخلاً للشغب على تأويلنا للآية, و ننزل عند رأيهم ثم نحتكم إلى الرسول (ص) فيما شجر بيننا حول مسألة (حجية) حديثة كما تأمرنا الآية, فماذا سيكون جوابه يا ترى؟ دعنا نسأله بصيغة واضحة:
- يا رسول الله: هل يجوز لنا أن نكتب ما تتلفظ به من كلام خارج حدود القرآن ؟
- الرسول: لا تكتبوا عني غير القرآن, و من كان كتب فليمحه " (مسلم)
- هل لنا أن نسأل عن السبب يا رسول الله؟!
- الرسول: ما أضل الأمم قبلكم إلا بما اكتتبوا من الكتب مع كتاب الله تعالى !. (تقييد العلم / البغدادي)
إذن فذلك حكم النبي فيما شجر بيننا, و تلك علته الواضحة, التي أيدتها الروايات المنقولة عن كبار الصحابة, فمالكم تقدمون بين يدي الله و رسوله و قد نهاكم الله عن ذلك؟!.
4 comments:
Can you translate the article for me, please....why so big?..why cannot I understand? When will you teach me?
Dont you think I deserve to learn your wonderful language?
You know how must I love it, right?
Please...tell me all you can about this article, agreed?
this subject is REALLYYYYYYYY long
and ...need time to read and understand in arabic and i have doubt they anyone will ever read it anyway!
it is ....kind of criticize for some religious believes in isalm ...he is talking from history point and talk how things were changed during last 14 centries and how that things concider now as islamic rules are not real rules and has no real relation to islam, his speech is full of facts but really schocking facts and so different schocking again for most of muslims and in end he said he did this because he dd reaserch for long years after reading many books and researchs..as i said many things people can not believe ..but he said all fact ..and accoring to his undertsnading ..so ...some religious people did not like that at all ...and they said he is NOT MUSLIM and all he said is like killing the religion and so on...so intresting subhject ..so schocking ..so ...need to think!
Can we think on them together?
Even shocking as you say, all must be thinkble, right?...and who knows he is correct or not correct?....Books must be read..and I think that sometimes books are not being read or being good read, or read by people who can think on what "someone" wanted to say...someone can be really someone: Mohamed...Jesus...a writer..someone....we must think in what that person wanted really to say....words are hard to understand sometimes, so always we must think on them....and when books are about religion, must more caredully we need to be....
As I use to say:
"I believe in religon...however...I dont believe on Human Being"
and with this sentence I want to say that: I really believe in religion, I accept different religions than mine (who can be me for say my is the best, or mine is the only correct, right?)...God is God and I believe in God...if other religion believes in God like me, this is the point and so I respect that religion...so I respect Christian and Muslim as well....
I think the big problem is to know what is really written on Couran and on Bible....what Mohamed wanted to say....what is he saying...what is God wishing....what Jesus wanted to say...what is he saying....what is God wishing....sometimes what is written must be thinkable and we need time for understand what they wanted to say....sometimes is not like 1+1=2...right?.....
So, again, I respect different religions, however I dont respect human being....because human being believes in what "they" want...and who are we, human being, for think we are the onwer of knowledgement?????????..we are so poor infront of God....God sent us messagers, like Jesus, like Mohamed for what????...because they were choosed by God to teach us, so we MUST read correctly and carefully what those messangers choosed by God wanted to say....
... and for that, Bible and Couran MUST be read carefully, must be studied, must be respected....and not like someone says is like that and we all, like sheeps must believe without think....(!!!)....people must have education for read too and for think on, right?
...and we must try to understand what those messangers choosed by God wanted to say...hmmm..for example, on Bible, St.Peter asked Jesus: Please, tell us, how many times must I forgive someone who sin??....Jesus answered: 70x7.....!!!!!!!!!!!...do you think Jesus wanted to say: You must forgive 490 times and after that dont forgive anymore??????????????????....NO!!! It was not that.....70x7 it was a way to say: you must forgive always.....
....so....we cannot read Bible neither Couran like a normal book, because they are not normal books...they are SPECIAL books....books with God's rules, God's laws..
I dont know what is he saying on this article....I cannot understand Arabic unfornatelly :(
I dont know if what the man is saying is true or not....however...at least, he read books, he is thinking....he he is studiyng....he is making people think...like you are for sure...Is he wrong?..Is he right?....I dont know....
Can you, when you will have time, explain me better about what is he talking?....
Please....
PaTea
I agree with you and i will answer you soon, but the idea is same ..WE MUST THINK ..we MUST THINK and ...then say what i think ..then purpose of what we will say ..only God knows...
he knwos what hearts hide...no one else..
so if we did not think ..HOW CAN WE BELIEVE?
i do not want to be muslim ..just because my Parents or my comunity are muslims ..NO i WANT TO BELIEVE ..and i want to think ...and this writer did same ..he broke ...some historic rule ...but by time they were mixed with religion ..!
so...even not related to islam ..but by time ..become like religious rules!
and this is his great work..and i support him ..not necessary what he said ...but at least i agree with his was of thiniking and his kind of study with that kind of subjects...if he is one of ten now .,..how great will be if we have 1000 thinking and studying like him ...many problems will be solved for sure.
Post a Comment