Friday, October 23, 2009

لا تحزن...نشهد أنك عائض القرني

من أفضل المقالات التي توصف الزيارة الدعائية لعائض القرني لليمن الاسبوم الماضي وما شابها من تشويه مغرض لمن يعارض حكومة الإحتلال في صنعاء.
المقال منقول من التغيير نت للكاتب محمد صالح البخيتي بعنوان:
لا تحزن...نشهد انك عائض القرني



محمد صالح البخيتي الخميس 2009/10/22 الساعة 08:40:36



في بلاد قرن بن ناجية بن مراد هنا في اليمن تناقلت الأجيال حكاية إيمانية فطرية بشكل خرافي لكن العبرة منها هي المقارنة بين الإيمان الفطري والإيمان المسيس, أما تحويرها فهو ناتج تراكم الزمن فالحكايات الشعبية التي تنقل أخبار الأولين بشكل عام تنقلها مشوهة ليس بقصد لكن لكثرة تناقلها من جيل إلى جيل فكل جيل يضيف إليها ويحذف منها, فقد سمعت من كثير من الرواة المعمرين ومنهم أمي راوية عصرها أن بدويا راعي أغنام وجمال أشعث أغبر لا يقرأ ولا يكتب كان يصلي بطريقة بسيطة ابتدعها لنفسه حيث كان يتوجه نحو غنمه ويقول ( أصلي صلاتي على قرن شاتي وتسجد معي جميع العضاتِ الله أكبر) فيركع فتركع معه غنمه وجماله والأشجار والأحجار, ويسجد فتسجد معه إلى أن رآه رجلا متدين فاستنكر عليه صلاته وقال له أن صلاته باطلة, ثم علمه كيف يتوضأ وما يردد في صلاته ابتداء من الأذان والإقامة إلى التسليم, فطبق البدوي التعاليم الجديدة ومعلمه ينظر إليه وحينها لم تسجد معه الكائنات التي كانت تسجد معه من قبل فأحرج المعلم وقال: صل بصلاتك السابقة فصلى بها وإذا كل الكائنات تركع وتسجد معه من جديد.

لم تقل لي والدتي من هو هذا البدوي المؤمن لكني استنتجت ذلك بعد أن قرأت حكاية أويس القرني التابعي الذي أوصى فيه الرسول وبحث عنه الخليفة عمر بن الخطاب ومعه علي بن أبي طالب حتى وجداه وهو يصلي إلى شجرة وإبله حوله وبعد أن تأكدوا من علامات كان قد وصفه بها رسول الله قالوا له: (نشهد أنك أويس القرني فاستغفر لنا يغفر الله لك) أويس في هذا الموقف أمر له الخليفة عمر بن الخطاب بنفقة وكسوة فرفضها قائلا ما اصنع بها ولدي إزارا وأربعة دراهم, فأحرج عمر برفضه عطيته التي جعلته يتمنى أن أمه لم تلده.أويس هذا البدوي المؤمن الذي رفض أن يستغفر حتى لنفسه عاهد علي بن أبي طالب في معركة صفين وقاتل معه حتى استشهد.

أويس القرني اليمني تذكرت حكايته بعد أن لاحظت موقف الداعية الوهابي عائض القرني الذي حضر من أرض نجد لينصحنا من منبر جامع مشبوه بأن لا نحزن على الدماء التي تسفكها السلطة في صعدة, ولا على الوحدة التي تنفصم عراها واحدة بعد أخرى, فقد أتحفتنا وزارتي السياحة والأوقاف في الأسبوع الماضي باستضافته ضمن رجال دين ورجال سياحة من مختلف البلدان ليعقدوا مؤتمرا هنا في صنعاء ( ملتقى السياحة والإسلام), الملتقى هذا جاء على غير العادة فلم نسمع أن النشاط السياحي يتوافق مع مهام الأوقاف ورغم هذا فقد اجتمع في هذا الملتقى النقيض مع نقيضه فالمادة كفيلة بتقارب المتنافرين وتباعد المتقاربين, وكما هي العادة فإن أي ندوة أو مؤتمر تعد له الحكومة يكون الغرض منه غرض سياسي والسياسة عند حكومتنا في مثل هذه الأزمة مكرسة لتوجيه كل طاقتها لإقناع الشعب بما تنفذه حتى لو كان ما تقوم بع خارج عن المألوف أو عن نواميس الحياة, وعندما تعجز عن تمرير سياستها الكاذبة عبر الدعاة اليمنيين تستدعي لتمررها أجانب لم يسبق لليمنيين أن اكتشفوا ضعفهم .

وقد اتضح ذلك من خلال ظهور عائض القرني كرائد للملتقى ومروج لما تقوم به السلطة, ويبدو من خلال ما طرح كأنه لا يعرف أن النظام السياسي المعترف به في اليمن هو نظام جمهوري لا ملكي, لا يسمح ببقاء الحاكم أكثر من عشر سنوات في حدها الأقصى, فقد غره أن حاكمنا قد مرت عليه فترة طويلة أكثر من بقاء كل ملوك البلد التي قدم منها القرني, وأعتقد أنه لو عرف أنه باق بطريقة غير شرعية لكان غير من أسلوب خطابه ولما تصدر فهالوة السياحة وناب عنهم في إلقاء كلمتهم أمام صاحب الفخامة وفي منبر جامع السبعين, لكن المشكلة أن وعظهم لنا لم يأتي بجديد فمن خلال سماع كلمة القرني في المقابلة وخطبتي الجمعة التي أوكلت إليه ـ بعد أن جمعت لها السلطة فريق عملها المعتاد إخراجه في المهرجانات الانتخابية حتى داسوا حديقة الجامع ـ لم نسمع فيها أي كلمة جديدة تتناسب مع الجمع الكبير الذي أمر بالحضور, فهل كان القرني يعتقد أن تلك الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية التي روج بها لصحيح البخاري ومسلم لم تصل إلى اليمن بعد؟ وهل كان يعتقد أننا لم نسمع قول الغزالي أو شعر الزبيري الذي قال فيه:

يوم من الدهر لم تصنع أشعته * شمس الضحى بل صنعناه بأيدينا

البيت الذي قاله في الثورة الباكستانية لا في الثورة اليمنية التي قتلته بالأمس, فبدون شك أن القرني لم يكن يعرف مناسبة قول هذا البيت, لكنه يعلم أن السلطة التي تقتل أبناء صعدة اليوم وتخرب مزارعهم ومنازلهم بطائراتها الحربية التي وفرت قيمتها من قوت الشعب الذي تقتله هي التي استدعته ليقول لنا أن الحزبية التي تحكمنا باسمها هي حرام, وهي التي استدعت دولته لتعينها على إبادة الشعب اليمني بعد أن سلبتها جزء كبير من الوطن.

ترديد القرني لما نعلمه ولا يعلمه يدل على أن ما كان يردده العمال العائدون من السعودية صحيحا, فقد كانوا يقولون أن مواطني نجد المضلل عليهم كانوا يسألونهم بأسئلة غريبة مثل قولهم: يا زيود عندكم مساجد؟ عندكم يا زيود قرآن؟ انتم تصلون؟ من هو نبيكم؟ وما شابه هذه الأسئلة التي يختتمونها بقولهم: روح يا زيدي يا مشرك, فاليمني عندهم زيدي ولو كان مذهبه شافعي أو حنبلي أو مالكي أو حنفي, والزيدي عندهم مشرك نجس أخطر من اليهودي, ولهذا قتلوا من الحجاج اليمنيين أكثر من ثلاثة آلاف حاج في سنة 1341هـ وهم في طريقهم إلى الحج, وكانوا يخاطبونهم بالمشرجين أي المشركين, ويدعونهم للإسلام الجديد الذي نشره محمد عبدالوهاب بوحي من مستر همفر.

---------------------------------------------------

اليوم بعد خراب اليمن على نفقة الدرعية يأتي داعية منها ليقول من منبر المسجد الحرام: ( ليس منا من دعا إلى حزبية) هكذا قال القرني في الخطبة التي أذاعتها السلطة على الهوى في وسائل إعلامها المسموعة والمشاهدة, وأعادت بثها ثلاث مرات قبل أن تحذفها من التغطية المكتوبة في صحفها, كررتها في حين أنها لن تغنيها في شيء بقدر ما يعكس البث المكرر مقدار الانهيار والتخبط الذي وصلت إليه السلطة التي أصبحت كالغريق الذي يتشبث بأي وسيلة نجاة مهما كان ضعفها, القرني نسب الحديث ـ الذي استهله بتلك الجملة المضافة ـ إلى النبي وهو يعلم أن تلك الجملة ليست من الحديث في شيء وان الحزبية في اليمن مقرة بالدستور والقوانين, وإن تلاعب بها النظام كما يريد, لكن لعل القرني قد نسي أنه في صنعاء, أو في دولة جمهورية أو لعله مأمور بالترويج لهذا المبدأ الجديد المتطابق مع ما في الدولة التي قدم منها.

اليوم بعد ألف وأربعمائة سنة جاء من يقول لليمنيين أن مقاومة الطاغي المستبد جريمة, وجاء يدعو إلى عدم الدفاع عن النفس متناسيا الآية الكريمة التي تقول (ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) فيا شيخنا ليتك اكتفيت بأداء واجبك هناك لأن لديكم هنا جحافل ينوبون عنكم من خريجي المدارس الليلة, من الذين لحاهم أطول ومساوكهم أسمك وملابسهم أقصر, وأخيرا نقول لك لعلك نسيت أو تناسيت بأن السعودية ـ التي قد أعدت لنا أولئك الدعاة وعززتهم بك ـ هي التي تدفع تكاليف الحرب وتكاليف الانفصال وتكاليف تزييف وعي المجتمع, وتتدخل في كل صغيرة وكبيرة من نصب العملاء إلى نصب الخطباء, فقد كان الأحرى بك أن توجه نصحك لمن استدعاك لتدعو له, ولملكك الذي يدفع تكاليف هذه الحرب من أموال الشعب العربي في نجد والحجاز والأحساء وتبوك.

أما نحن فإننا نعتبر قيامك بخطبة الجمعة نوع من أنواع المداهنة والتدخل في تزييف وعي المجتمع الذي تقوم به دولتك في شئوننا. بقي أن نقول لك سيدي الدكتور كان عليك أن تقتدي بموقف أويس القرني أمام عطاء ابن الخطاب وتعف عن تقبل ما أطلقت عليه الكرم الحاتمي حتى تظل على موقفك الرافض للحزن, وتتذكر قول رسول الله( ليخرجن ناس من أمتي من قبورهم في صورة الخنازير بما داهنوا أهل المعاصي وكفوا عن نهيهم وهم يستطيعون ) أما نحن فدعنا في أحزاننا, وإذا كان لا بد من مجدد لهذا الدين فليس هناك أصدق من آل البيت الذين خرج من بينهم ذلك النبي العظيم وأوصانا بإتباع تعاليمهم, أما أنت فيكفيك منا أن نشهد بأنك عائض القرني.

No comments: