القضية الجنوبية.. المسكوت عنه في الوحدة اليمنية
«الأيام» أحمد عمر بن فريد:
في مقاله الأسبوعي ، وتحديدا في عدد جريدة (الوسط) رقم 150 الصادر يوم الأربعاء 30/5/2007 م ، كتب الدكتور عبدالله الفقيه، بمنطقية ومسئولية مقالا مهما جاء بعنوان (المسكوت عنه في الوحدة اليمنية!) .. وفي هذا المقال تحدث الكاتب بوضوح شديد، ومضمون عميق عما نسميه نحن بـ (القضية الجنوبية)، وهي القضية الوطنية التي تصر السلطة على نفي وجودها - شكلا ومضمونا - في حين تحرص المعارضة على تجاهلها تجاهلا متعمدا (أعمى) لا ينسجم مع المسئولية الوطنية التي تستوجب الوقوف أمامها، بما تستحقه هذه القضية وبما تعنيه، ولو حتى من باب طرحها للحوار العام المفتوح على أقل تقدير. وفي الحقيقة ، وعلى الرغم من اكتمال مقومات وعناصر هذه القضية ، وما ترمز إليه من أهمية بالغة فيما يخص مسألة (الوحدة اليمنية) إلا ان التعامل معها من قبل هاتين الفئتين (السلطة والمعارضة) يتم في أغلب الأحيان، وفقا لعقليات ضيقة الأفق.
أما بالنسبة للنخب السياسية والمثقفة (المستقلة) على الصعيد الوطني ، فلم تتقدم خطوة واحدة نحو هذه القضية الجوهرية، بل إنها جاهدت هي الأخرى - لعدة أسباب - في سبيل ان تبقي المسافة الفاصلة ما بينها وبين هذه القضية مسافة بعيدة (محترمة)، تجعلها غير قادرة ولا حتى مؤهلة للخوض في تفاصيلها، وقراءة مضامينها بروية وهدوء ... ولعل بعد تلك النخب. من حيث (المكان) ومن عليه من أبناء الجنوب ، جعل من مسألة الخوض في قشور هذه القضية ولبها لدى هؤلاء شيئا أقرب ما يكون إلى الترف السياسي الذي لا داعي له، في حين استسلمت النخب والقيادات السياسية الجنوبية (الكبيرة) ذات التاريخ الطويل، إلى مجمل النتائج التي أفرزتها آلة الحرب الطاحنة عام 94م، وما أنتجته من واقع مرير في المحافظات الجنوبية، حتى إنها باتت تراه - من وجهة نظرها - «نتيجة حرب» ينبغي تقبلها والارتهان لها كيفما كانت النتيجة والظروف !! ... إن هذه النظرة (الانهزامية - المستسلمة) جعلت من تلك النخب الجنوبية لدى أبناء الجنوب - في أحسن الأحوال - مجرد رموز وطنية كانت لها مكانة ومقام ذات يوم مضى .. فآثرت التخلي عنه بإرادتها المحضة ومن أجل ان تحصل لها على كراسي مهترئة الأركان في زوايا مظلمة من منظومة الحكم !! بينما بقيت قيادات جنوبية أخرى تتقدم خطوة نوعية للأمام فيما يتعلق بالنظر لهذه القضية، وإن كانت من الناحية العملية لا تتجاوز في تعاملها معها حدود تعامل الطفل الصغير مع البيضة الساخنة .
وفي المقابل، فقد عمدت جهات مسئولة في السلطة إلى مغالطة نفسها، حينما يكون الحديث مواتيا عن الوحدة اليمنية في مناسبتها الوطنية السنوية ، وذلك بتنظيمها الكثير من الندوات السياسية المفتوحة، التي تحشد فيها رجالاً يمتلكون (الذمة الواسعة) و (الضمير المرن) و (الفهلوة المفرطة) للحديث عن الوحدة اليمنية، في إرهاصاتها الماضية ، وحاضرها ومستقبلها ، وحينما تستمع إلى هؤلاء جميعا تشعر ، وكأنما المحفد وبقية المديريات والمحافظات في الجنوب ومن عليها تعيش بين جنتين قطوفمها دانية وأنهارهما جارية بينما الواقع يحدثك بشيء مخالف تماما لكل تلك الهرطقة والنفاق المبتذل .
إن هذا البعد (المكاني) و (الفكري) عن مكمن الخلل، والحرص على عدم الاقتراب منه، قد شكلا حاجزاً منيعاً لدى المعنيين بالأمر، جعل من فهم مكونات (القضية الجنوبية) أمراً بعيد المنال ، في حين تبدد هذا الواقع لدى الدكتور الفقيه، بنزوله الميداني إلى الجنوب ، الأمر الذي جعل من ملامسة (الهم الجنوبي) و معاناة الجنوبيين أمراً ممكناً، فكان الاستماع إلى حديثهم اليومي الحالي عن الوحدة اليمنية أفضل وسيلة ممكنة لفهم ولتفهم معاني القضية الجنوبية، التي تحدث عنها الكاتب في مقاله الأخير .. أو هكذا فهمت .
في هذا المقال، تحدث الفقيه عن أربع خصائص تميز ما أسماه بالشعور العدائي لدى الجنوبيين تجاه الوحدة اليمنية، ويحذر الكاتب من تجاهل هذه الخصائص ويحمل في الوقت نفسه بنية النظام والمعارضة معا .. وحتى المجتمع اليمني ككل مسئولية السكوت عن هذه القضية، التي تؤدي إلى تنامي شعور عدائي مستمر وسريع في أوساط الجنوبيين تجاه الوحدة ، ويتمنى الوقوف الجاد أمام ذلك قبل ان يخرج الأمر عن السيطرة.
ومن هذه الخصائص التي ذكرها الفقيه ونتفق معه في معظمها ما يلي :
الخاصية الأولى : «بتركز الشعور السلبي تجاه الوحدة بين أبناء المحافظات الجنوبية على نحو خاص، وتحديدا بين مواطني ما كان يعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية» ... والسؤال الذي أطرحه (من عندي) فيما يخص هذه الخاصية هو : ترى لماذا لا يوجد شعور سلبي تجاه الوحدة اليمنية لدى أي مواطن من المحافظات الشمالية وتحديدا بين مواطني ما كان يعرف بالجمهورية العربية اليمنية؟!! .. أرجو ألا يخرج علينا أحد منظري الوحدة (ذوي النفس الشطري) ويقول : إن جميع أبناء المحافظات الشمالية «وحدويون» بينما جميع أبناء الجنوب «انفصاليون» ... إن المسألة بكل تأكيد ليست بهذه (الخفة) في التناول، وإنما هي أعمق من ذلك بكثير، كما ان إمكانية الوصول إلى هذا العمق مسألة ممكنة وفي متناول اليد، ولكنها تتطلب قليلاً من الجرأة وكثيراً من الحس الوطني المسئول.
الخاصية الثانية :«برغم اختلاف حدة المشاعر المعادية للوحدة من فئة اجتماعية إلى أخرى، إلا أن الملاحظ أن ذلك الشعور يشمل جميع الفئات الاجتماعية بما في ذلك نشطاء الحزب الحاكم» ... ونود أن نضيف تأكيدا لهذه الخاصية دلائل من لدنا ، من حيث ان جميع العناصر الجنوبية التي قاتلت إلى جانب القوات الشمالية في حرب 94م ، تتفق اليوم في معظمها على وجود (خلل ) ما في الوحدة اليمنية ، يلامس وبشكل مباشر حياة الجنوبيين ومستقبلهم، وتستوي هذه المشاعر من حيث النوع لدى هؤلاء جميعا وان كانت تختلف من حيث الكم فقط من جهة ، ومن حيث التعبير عنها من جهة أخرى .. فمن خروج قائد البحرية السابق / أحمد عبدالله الحسني إلى لندن (معارضا جنوبيا) إلى ذاك الذي تسلق جدارا يرتفع عن الأرض أكثر من خمسة أمتار بسرعة فائقة، هروبا من مشاركة (قوات السلام الخاصة) الجنوبية بتبوك السعودية في حرب 94م، ومن ثم هروبه إلى اليمن لمشاركة القوات الشمالية في ضرب الاشتراكي نكاية بماضيه، فأصبح اليوم يتحدث عن (الجنوب) ومعاناته في الوحدة اليمنية، التي لم تستطع تأمين حقه في أرضه الزراعية التي اشتراها بحر ماله ، في الوقت الذي أمنت فيه هذه الوحدة لمن قاتل إلى جانبهم من القادة العسكريين الشماليين (آلاف الأفدنة) بكل راحة بال .. مابين هذين النموذجين ، تكثر النماذج المماثلة وتتنوع .
الخاصية الثالثة : «تعاني مشاعر الجنوبيين تجاه الوحدة اليمنية حالة من الكبت ، لأن السلطة عمدت إلى سد كل منافذ التعبير أمام الجنوبيين . وحتى الصحيفة الوحيدة التي تبنت خط الدفاع عن المصالح الجنوبية في المرحلة التالية لحرب 94م سرعان ما وجدت في ذهب المعز خير العزاء، وتحولت إلى معبر عن مصالح السلطة مع الاحتفاظ بحيز معين تدافع من خلاله عن مصالح مناطقية وسلالية ضيقة وهو الأمر الذي لا تجد فيه السلطة باعثا على القلق».
في هذه الخاصية تحديدا نختلف مع الدكتور الفقيه فيما يخص حديثه عن «الصحيفة» التي أفهم - وكما فهم غيري - أيضا، ان المقصود بها صحيفة «الأيام»، على أساس ان صحيفة «الأيام» كانت ومازالت تمثل الصوت المسموع لمختلف قضايا أبناء الجنوب، وقد لعبت ومازالت تلعب الدور ذاته منذ ان وضع قادة الحرب أسلحتهم عام 94م ، بل إن «الأيام» قد ذهبت بعيدا في هذا الشأن حينما نشرت مقالا جريئا للمفكر الكبير الدكتور أبوبكر السقاف عام 1995م جاء تحت عنوان مثير «فتح الجنوب ... والاستعمار الداخلي» في زمن كان فيه دخان القنابل المبعثرة في الجبال والوديان لا يزال يتصاعد في سماء الوحدة الطرية العود بفعل الحرب الهوجاء في الأهداف والممارسة، وفي هذا المجال يعتقد معي الجنوبيون أن ناشري صحيفة «الأيام» وعلى الرغم من مختلف الضغوط الكبيرة التي كانت وما زالت تمارس ضدهما، قد وجها (أشرعة) سفينة «الأيام» باتجاه (الجنوب) وهو اتجاه معاكس تماما لاتجاهات الريح التي كانت تحتم عليهما توجيهها في اتجاه آخر ووفقا لحسابات المصالح البحتة، ولا أظن الكاتب العزيز يغفل عن حقيقة وقوف الزميل الأستاذ هشام باشراحيل في قفص الاتهام على ذمة (قضية نشر) مع الأستاذ علي هيثم الغريب تتعلق بمقال يصب في اتجاه الحديث عن التمييز في الوظيفة مابين الشماليين والجنوبيين في لحج وعدن , وأما «ذهب المعز » الذي قال الدكتور ان «الأيام» قد تحصلت عليه ، فنود إفادته بأن هذا الذهب لم يضمن للناشرين وأولادهما الحصول على متر مربع واحد للسكن في عدن .. كما إنني لا أعتقد ان أحدا ما سيكون أكثر رأفة وتعاطفا مع الجنوب والجنوبيين أكثر من صحيفة «الأيام» وأهلها .
الخاصية الرابعة : «برغم ان استمرار الوحدة مرهون برضا الجنوبيين عليها ، إلا ان السلطة لا تلتفت إلى اتجاهات الرأي العام في أوساط الجنوبيين، وفي الحالات التي تظهر فيها صيحات الجنوبيين هنا وهناك، فإن السلطة تتعامل مع هذه الصيحات بفجاجة حيث تتهم كل من انتقد الممارسات او وضع مطالب معينة بالانفصال، وهو بالتأكيد شكل من أشكال الإرهاب الذي يحول الجنوبيين إلى معارضة صامتة تعمل تحت الرماد ليس للنظام فقط ولكن للوحدة ذاتها» .
نود من جانبنا ان نضيف إلى هذه الخاصية، التي تتعلق بالكيفية التي تتعامل بها السلطة مع «صيحات الجنوبيين» مضامين اسطوانة مكررة ، يتم تشغيلها كلما علا صوت جنوبي، يستنكر الممارسات (غير الوحدوية) التي تحدث في الجنوب ، حيث تتحدث هذه الاسطوانة المشروخة عن عاملين رئيسين ترى أنهما السبب الأول والأخير وراء هذا الصراخ الجنوبي ان جاز التعبير، اذ يقول العامل الأول : إن هؤلاء الذين يصرخون من الجنوبيين ، إنما هم (فئة صغيرة) فقدت مصالحها التي كانت تنعم بها في مرحلة ما قبل الوحدة !! وفي الواقع ان هذه (الفئة الصغيرة) كما يقولون تتسع مساحتها ورقعتها يوما عن يوم ، حتى باتت (فئة كبيرة) تسكن كل المساحة الجغرافية للجنوب سابقا، فإن كان سكان الجنوب قد فقدوا مصالحهم جميعا ويتم الحديث عنهم بهذه السطحية فتلك مشكلة كبيرة.
وأما العامل الثاني في الاسطوانة الرسمي، فيقول ان هناك جيلاً جديداً هو (جيل الوحدة) الذي بدأ في الظهور على مسرح الحياة ، وان هذا الجيل لا يعلم عن أمور التشطير شيئا ولا يحمل في قلبه - كما يقال - ضغينة او حقداً او شعوراً عدائياً تجاه الوحدة !
وفي الحقيقة ان هذا الجيل الذي يتم الحديث عنه - بالنيابة - هو جيل لم يهبط على الأرض اليمنية من كوكب آخر يوم ولادته ، ولم ينشأ او يترعرع في قصور وحدوية، وإنما نشأ وترعرع في بيوت تصرف على قيامها وسترها وبقائها ضمن حيز الكرامة وعزة النفس قيادات وكوارد عسكرية ومدنية جنوبية تم إبعادها - قسرا وظلما وعدونا - من وظائفها ... فكيف يمكن للنشء هذا ، الذي يتربى في أجواء ومنازل يسكنها الشعور بالظلم والمهانة ان يكون ؟ سؤال منطقي نطرحه لأصحاب هذه الاسطوانة المكررة .
التمثيل السياسي للجنوب .. مصدر الخلل؟
نصت المادة الثالثة من اتفاقية الوحدة اليمنية على أن مجلس النواب لدولة الوحدة يتألف من كامل أعضاء مجلس الشعب الاعلى في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وعددهم (111) عضوا، وكامل أعضاء مجلس الشورى في الجمهورية العربية اليمنية وعددهم (159) عضوا يضاف لهم عدد (31) يصدر بهم قرار من مجلس الرئاسة .. وقد كان .
غير أن هذا التمثيل السياسي في مجلس النواب تبدل حاله، وانقلبت موازينه رأسا على عقب حينما قررت أول لجنة عليا للانتخابات بعد الوحدة اعتماد نسبة عدد السكان فقط في تقسيم الدوائر الانتخابية مابين المحافظات، فانخفضت حصة (التمثيل السياسي للجنوب) من 111 عضوا إلى عدد (56) عضواً فقط !! في حين ذهب الفارق في التمثيل الى المحافظات الشمالية ، فأصبح الجنوب وفقا لهذا الواقع الجديد يشكل (أقلية) لا يمكن لها تحت أي ظرف كان ان تستطيع الدفاع عن مصالح الجنوبيين الذين باتوا وفقا لهذا التمثيل (أقلية قليلة) وسط أكثرية عارمة.
المناصب العامة في المحافظات الجنوبية
يتحدث الدكتور عبدالله في مقاله فيما يخص المناصب العامة فيقول:«أما المناصب العامة في المحافظات الجنوبية فقد أوكلت بشكل عام إلى شماليين، ولو انه تم تعيين الجنوبيين في مواقع عامة في الشمال لكان ذلك مقبولا لكن المشكلة ان تمثيل الجنوبيين في السلطة بكل فروعها ظل يتدهور عاما بعد آخر، وقد أرسل أحدهم الى الكاتب برسالة تحوي أسماء سفراء اليمن في مختلف دول العالم ، وكان واضحا ان السفراء الجنوبيين يعيشون حالة انقراض مستمر» .
في شأن الوظيفة في المناصب العامة الكبيرة، وقبل الحديث عن حال السفراء الجنوبيين ، أود التأكيد للدكتور عبدالله ومن يهمه الأمر، ان أخذ ثلاث محافظات جنوبية كعينة فقط ، سيعكس (نفسا شطريا) لا غبار عليه في هذا الجانب، اذ يشير المسح الوظيفي الأولي في محافظة لحج على سبيل المثال، الى أن عدد (25) وظيفة بدرجة محافظ او مدير عام او قاضي استئناف او قائد لواء او أمن ، هي وظائف يشغلها مدراء من الشمال ، في حين تحتفظ محافظة أبين أيضا بنسبة مقاربة لهذه النسبة بينما تنخفض هذه النسبة (قليلا) في محافظة عدن !
وفيما يخص السفراء .. فيبدو أن الرسالة ذاتها التي تحدث عنها الفقيه، قد وصلت هي الأخرى إلى بريدي الالكتروني، وهي رسالة تضم قائمة بالسفراء المعتمدين في 23 دولة أجنبية (كعينة فقط) جاءت أسماء السفراء فيها جميعهم من الشمال ، ولدي شخصيا قائمة بعدد (94) سفيراً جنوبياً تضم من بينهم ما نسبته 80 % منهم بدرجة (سفير عامل) .. وجميعهم تمت إحالتهم الى التقاعد واستبدلوا بسفراء آخرين !!
إن الجنوب ، وأهل الجنوب، ودولة الجنوب، ونخب الجنوب (السياسية - الوطنية - الثقافية - الاجتماعية - القبلية) كان لها الدور التاريخي الريادي في انجاز الوحدة اليمنية في يومها المعلوم ، وكان لها الفضل الكبير في جعلها حقيقة تاريخية، ونقطة تحول إستراتيجية في حياة الشعب اليمني، وتكمن هذه المساهمة وهذا الدور الريادي في تجرد (الجنوب) بكل مكوناته السكانية من عوامل (الأنانية والذاتية) وإيثاره عوضا عن ذلك، العمل على اتساع رقعة الوطن ومعناه العظيم ، وتقديم الغالي والنفيس في سبيل ذلك ، فكان له الدور الأكبر والمساهمة الأهم في صناعة دولة الوحدة .
لقد تنازل الجنوب عن دولة كاملة ذات سيادة، وقدم بتلك المساهمة لدولة الوحدة مساحة جغرافية تعادل (365 ألف كيلومتر مربع) وهي مساحة توازي (96 %) من مساحة دولة الجديدة، كما قدم الجنوب لهذه الدولة شريطاً ساحلياً زاخراً بالثروات السمكية والنفطية الواعدة يعادل (ألفي كيلومتر) تقريبا، وهو يقدم حاليا ما يقارب (80 %) من الإنتاج النفطي لدولة الوحدة، كما يقدم نسبة مماثلة من ثروة (الغاز الطبيعي) والذهب.
كما أن الجنوب لم يشكل أي عبء سكاني على دولة الوحدة على اعتبار ان تعداده السكاني لم يكن ليتجاوز (ثلاثة ملايين) عشية إعلان الوحدة ، وفي مقابل تحقيق هذا الانجاز أيضا تنازلت القيادات السياسية الجنوبية عن أهم مواقعها ومناصبها ، ولم تشترط لإنجاز الوحدة شكلا آخر من أشكال التوحد كالكنفدرالية او حتى الفدرالية ، ولم تضع أي شروط كانت ضمن اتفاقية الوحدة الاندماجية .
ولكن الجنوب وبالرغم من كل هذه المساهمات الكبيرة، والتنازلات الكثيرة والعطاءات اللامحدودة لدولة الوحدة ، لم يجد في المقابل إلا كل جحود ونكران وتهميش متعمد ومنظم ، وتم التعامل معه بلغة الحرب في عام 1994م ، وصولا إلى ضمه وإلحاقه وفقا لمنطق (عودة الفرع إلى الأصل) مما ألغى كل اتفاقيات الوحدة التي تمت بطرق سلمية، و ألغى أيضا وبشكل مطلق أي دور ولو ثانوي للجنوب في صناعة القرار السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني والثقافي ..الخ ، وهو ما ولد لدى الجنوب وأبناء الجنوب شعورا بالمهانة والمذلة والإقصاء المطلق من الواقع والحياة السياسية والإبعاد الكامل عن مواقع صناعة القرار ، في وقت كان فيه الجنوب وأهل الجنوب ينتظرون (العزة) و(الكرامة) من دولة الوحدة .
إن هذا الإلغاء المتعمد ، و هذا التهميش المفروض الذي طال الجنوب الشريك الأساسي في صناعة الوحدة اليمنية ، لهو عامل مناف لكل شروط الوحدة ومقتضيات بقائها، وهو عامل ذو تأثيرات سلبية على استقرار هذه المنجز التاريخي، وهو مصنع لتوليد الكثير من الاحتقانات والأحقاد والضغائن ما بين أبناء الوطن الواحد ، و لا نرى من الحكمة التعامل مع هذا الحال السيئ وفقا لمفهوم ولغة (الأمر الواقع) الذي أنتجته الحرب ووسائل القوة المحضة ، لأن الحروب حتى وإن سادت نتائجها لمرحلة مؤقتة، فإنها لم تكن في يوم من الأيام وعلى مدى التاريخ عامل استقرار وسلام وسكون اجتماعي في أي مكان في العالم وفي أي دولة على الأرض .
No comments:
Post a Comment