أتذكر جيداً عندما كنت مشترك بالفيسبوك ستاتوس أو حالة للصديقة عهد الحضرمي تقول فيها " التنوير قبل التغيير" وحازت العبارة على الكثير من إعجاب الأصدقاء حينها.
حالة الجمود (بل والتراجع) التي يشعر فيها الكثير ممن كان يتوقع التغيير -فلنقل متوسط السرعة بأسواء الظروف- في اليمن عن طريق المظاهرات التي خرجت في فبراير تقليداً لما حصل بتونس ومصر. حالة الجمود هذا أثارت الإحباط عند الكثير..بل الغالبية!
أسمع تعليقات تبعث على الاسىء من الناس، ممن هم كانوا يتظاهرون وهم بالمطلق ضد النظام ولكن بسبب حالة اللاتغيير التي نعيشها وتدهور الحالة الإقتصادية المريعة وخصوصاً غلاء الأسعار ومشاكل الكهرباء ومشتقات الوقود. تلك الاسباب وغيرها جعلت عبارت من قبيل: "يرجع علي وبس" أو "الله يرحم ايام علي" أو "بطلنا ثورة نشتي نرجع زي اول وبس" ..وغيرها من التعليقات الساخرة صار سماعها عادياً في الشارع، ولكنها تعبر عن إحباط وسأم اكثر من كونها تعبير عن رغبة حقيقية بعودة صالح.
أن صبر الناس يبدو قد نفذ، وهموم الحياة اقوى من أن تطاق..ولكن ..ايش المشكلة؟؟
محمد حسنين هيكل هيكل عندما علق على الثورة اليمنية علي الجزيرة قال: "أن ظروف إلإنتقال من القبيلة إلى الدولة المدنية أمر صعب للغاية". إن هيكل يقول بما معناه أن الشعب اليمني وثورته التي ترفع شعار الدولة المدنية لن تتحقق لانه مجتمع قبلي..وبالتالي لا أمل منظور في التغيير!
البعض قد يحتج ويصرخ و..و... ولكن اليست هذه هي الحقيقة؟
لا أقول ان المجتمع لا يستحق الحرية والإنتقال للافضل وأنه محكوم عليه بالتخلف والقبلية. ولكن أقول أن ما قامت به المظاهرات من إظهار لحيوية ونضوج مدني كثيراً ما جعلت المفكر عزمي بشارة يتغني بالمجتمع اليمني وأنه قد ترك عبأة القبلية والسلاح هو بعيد عن الواقع -بتعبير دبلوماسي- حتى لا أنزلق لمصطلح اقوى واقول محض خيال. ومما يُذكر في هذا الخصوص، ما حدث في ساحة التغيير في صنعاء عندما إندلعت الإشتباكات في الحصبة بين أنصار صادق الأحمر وقوات علي عبدالله، يومها حصل شيء غريب في الساحة (!)، ففجأة إنسحب الألاف من المنتيمن لقبيلة حاشد من المكان وذهبوا ليحملوا سلاحهم ويقاتلوا في الحصبة! وكأن شعار الثورة السلمية يخص ساحة تبلغ مساحتها بضعة مئات من الأمتار فقط.
جميعنا يعرف أن الكثير من المظاهر السيئة ظهرت من الناس بسبب الأزمة، يبدو أن الثورة اليمنية الأخيرة أظهرت أسواء ما لدى الناس. نعم ليس بالمطلق وإنما اتكلم هنا عن السلبيات التي لم تكن موجودة من قبل، فجميعنا نعلم أن كثير من الازمات -التي لم تكن موجودة قبل الثورة- التي نعيشها اليوم هي من صنع الناس انفسهم بمباركة من النظام، لكن يظل الناس مسؤولون بنسبة كبيرة عنها.
هنا ادعو الجميع للتعلم من الحراك السلمي الجنوبي، الذي لا يزال حاضراً وبقوه بمظاهراته ومحاضراته ومهرجاناته التي هي شبة يومية على مختلف أرض الجنوب اليمني منذ ما يزيد على اربع سنوات. فلماذا لم نسمع عبارات السأم والضجر من جماهير الحراك ولو من باب السخرية؟
ما الذي في الحراك الجنوبي لنتعلمه منه؟
أعتقد ان اهم ما يلفت الإنتباه هو ان الحراك الجنوبي لم يفقد زخمه الجماهيري ولم يدخل اليأس إلى قلوب الجنوبيين منه حتى الأن. نعم هناك إختلافات بالرؤى ووجهات النظر ونقاش ولكن هذه هي حيوية الحراك بنظري وهناك بجانب الإختلاف إجماع شبة مطلق على القضية الجنوبية ونفس طووووويل للإستمرار!
عندما قامت الثورة الشبابية الأخيرة، جميع من كان مشارك فيها وإنخرط فيها، جعل يوعد نفسه ومن حوله أن الحسم قادم اليوم قبل الغد..وهذا ما لم يحدث ابداً وهذا هو مصدر الخلل، لم يكن هناك أي تاهيل وإستعداد. فلنكن صريحين بالقول أن هناك إختلاف كبير بين المجتمعات العربية، فاين المقارنة بين مصر وتونس؟ اين تونس من اليمن؟ بل أين الجنوب من الشمال هنا في اليمن ونحن نعرف مقدار قبلية كل مجتمع؟
اتذكر جيداً جداً يوم أن سقط شهداء المنصة الاربعة في الحبيلين يوم 13 اكتوبر 2007 وحاله الإحتقان التي حصلت حينها، يومها قال لي أحد القادة بالحراك الجنوبي: "هذا ليس إلا أول المشوار وسيموت المئات وسيعتقل عشرات الالاف ولن نتوقف إلا بالإستقلال. هذا اليوم اليوم ليس إلا بداية لنضال قد يستمر حتى عشر او عشرين سنة". هذه كانت الرؤية والتفكير منذ البداية، لم يكن هناك تفكير بالحسم والثورة والإنتصار (!). يومها لم يكن الشارع الجنوبي -اقصد رجل الشارع البسيط وليس النخبة السياسية والمثقفة- يعرف معني كلمة" إستقلال" او "إحتلال" أو "تقرير مصير" أو "الجنوب الحر" أو "القضية الجنوبية" أو "الفيدرالية" أو "غيرها من المفاهيم التي تمس كيان الجنوب ارضاً وشعباً التي صارت اليوم ثوابت بوعي الناس هنا ووعي بمفاهيمها.
ما الذي اتحدث عنه؟
ما اتحدث عنه ما قاله له نفس الشخص مره اخرى ولكن قاله بعدها بسنيتن في 14 اكتوبر 2009، يومها نُظمت اكبر مظاهرة في تاريخ الجنوب حينما خرج حوالي نصف مليون للتظاهر في المظاهرة التي نظمها الحراك الجنوبي بذكرى الثورة ضد المستعمر البريطاني والتذكير بالمحتل الشمالي حيث فقال لي" إن هدف الحراك كان وسيظل لبضع سنوات قادمة هو التعريف بالقضية الجنوبية للداخل والخارج وقد نجحنا بهذا إلى الأن كثيراً ولكن لا يزال هناك الكثير للعمل عليه".
بالمختصر: الحراك الجنوبي حينما ظهر للناس -بعد 13 سنة من التحضير- كان في أجندته سنوات من النضال السلمي من أجل هدف اساسي وحيد وهو التعريف بالقضية الجنوبية لا غير، واما هدف الإستقلال فما هو إلا تحصيل حاصل لأي شعب عندما يقرر صنع مصيره ومستقبله بيديه، لقناعه مفكري الحراك بأن الإستقلال لن يكون بايدي نخبه سياسية تقفز على خيارات الشعب بل على ايدي الشعب المسلح بالفكر والوعي بعدالة القضية والإيمان التام بالقرارات التي سيتخذها يوم أن يقرر صنع مستقبله. هل تسألتم يوماً لماذا سُميت الثورة الفرنسية أم الثورات؟
أن الثورة الفرنسية لم تكن إلا ثمرة تضحية عشرات المفكرين والفلاسفة في سبيل أفكارهم التي ألهمت الثورة الفرنسية بعدما ألهمت عقول الشعب المنتفض يومها.
إذا...تعلموا من الحراك الجنوبي ومن عهد أن التنوير...قبل التغيير
2 comments:
تدوينة رائعة جداجدا
سمح لي اعادة نشرها مع الاحتفاظ بحقك التدويني
شكراً عزيزي أوسان :)
بالطبع، لك كل الحرية بدون أن تستأذن
Post a Comment