Wednesday, October 21, 2009

مقابلة الرئيس البيض مع العرب القطرية

هذا نص مقابلة الرئيس علي سالم البيض رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، رئيس اليمن الجنوبي مع صحيفة العرب القطرية التي نشرته يوم أمس واُعيد نشر المقابلة في العديد من المواقع:





الوحدة اليمنية فشلت.. ومن يعلن الحرب يعلن الانفصال



2009-10-20
حاوره- نورالدين قلالة


في عام 1990 أصبح رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (1986-1990) سابقاً، علي سالم البيض نائباً للرئيس اليمني علي عبدالله صالح، بعد توقيع اتفاقية الوحدة بين شطري اليمن، ليقتسم معه السلطة حتى يوم 21 مايو عام 1994، وهو اليوم الذي اندلعت فيه حرب اليمن لأسباب وظروف عديدة، وهي الحرب التي استمرت حتى يوم 7 يوليو من نفس العام.
ولجأ البيض بعد فشل محاولة الانفصال إلى سلطنة عمان المجاورة التي منحته اللجوء السياسي بشروط تتضمن عدم قيامه بأي نشاط سياسي.
وفي 21 مايو 2009 الذي صادف ذكرى الوحدة بين شطري اليمن، انتقل على سالم البيض إلى أوروبا وأعلن نيته السعي للانفصال مجددا عن الجمهورية اليمنية، مطالباً الدول العربية والعالم بتأييد مطالبه لإعادة إحياء جمهورية اليمن الجنوبي، التي لا يزال يعتبر نفسه رئيساً لها.
وفي هذا الحوار -الذي خص به «العرب»- أكد علي سالم البيض أنه يريد إعادة دولته في الجنوب، قائلا «إن من يعلن الحرب يعلن الانفصال»، في إشارة إلى أن الرئيس علي عبدالله صالح هو من بدأ بشن الحرب على الجنوب.. كما قال إن مقومات الوحدة اليمنية لم يعد لها وجود، واصفاً عرض علي صالح الأخير الذي تمثل في «حكم محلي واسع الصلاحيات» بأنه «مسرحية هزلية وقنبلة دخانية من أجل التمويه على القضية الجنوبية». كما دعا البيض الأمم المتحدة إلى تنظيم استفتاء شعبي لليمنيين الجنوبيين من أجل تقرير مصيرهم باستقلال الجنوب عن الشمال، محذرا من اندلاع حرب جديدة في اليمن من شأنها أن تفتح الباب لأطماع خارجية لاستغلالها.

لماذا تنادون بانفصال الجنوب في اليمن؟

نحن لا ننادي بانفصال جنوب اليمن، بل نعمل على استعادة استقلالنا الذي تخلينا عنه في 22 مايو سنة 1990 من أجل إقامة دولة الوحدة. ولا شك أنكم تذكرون أن تلك الدولة قامت على أساس الشراكة بين دولتين هما جمهورية اليمن الديمقراطية (الجنوب) والجمهورية العربية اليمينة (الشمال). وقد جرى الاتفاق على أن تكون الشراكة مستندة على الأخذ بما هو أفضل في التجربتين، وشكلنا العديد من اللجان من أجل هذه المهمة، وحددنا لإنجازها فترة انتقالية لعامين ونصف العام، لكن ما حصل هو أن الشريك الآخر تراجع عن مبدأ الشراكة وصار يعمل للسيطرة على المشروع كليا، ومن هنا بدأت الخلافات والمشاكل بعد أشهر قليلة من إعلان الوحدة.. والعالم كله يتذكر أننا حاولنا أن نصلح الوضع بالطرق السلمية، وحينما لم نتمكن من ذلك قمت بالاعتكاف في عدن في صيف 1993 للمرة الثانية، وقد استجابت الأطراف والقوى السياسية كافة للطرح الذي تقدمت به للخروج من المأزق، وتبلور ذلك في «وثيقة العهد والاتفاق» التي وقعناها في الأردن في فبراير 94 برعاية المغفور له جلالة الملك حسين وبحضور الأمين العام للجامعة العربية حينها، ولكن الطرف الآخر رفض تنفيذها.
خلاصة القول هي أن مشروع الوحدة واجه عقبات فعلية منذ البداية، ولكننا بقينا نحاول وضعه على الطريق السليم، ولذا توافقنا على مبدأ أساسي، وهو: «من يعلن الحرب يعلن الانفصال»، وقد بادر علي عبدالله صالح بإعلان الحرب على الجنوب في 27 أبريل 1994، واجتاحه وسيطر عليه، ومنذ ذلك اليوم وهو يحكم عسكريا. وبالتالي إن ما حصل هو الإجهاز على الشراكة، وما بقي قائما هو ارتباط مفروض بالقوة العسكرية. وقد قمت في 21 مايو الماضي بتأكيد إعلاني السابق بفك هذا الارتباط، ومن يومها نعمل على استعادة استقلالنا.

في خطابه بمناسبة الذكرى الـ 46 للثورة اليمنية كشف الرئيس اليمني علي عبدالله صالح عن مفاجأة وصفت بـ «السارة»، حيث أشار إلى أنه يتجه إلى إجراء تعديلات دستورية تضمن حقوق واسعة للحكم المحلي في جنوبي البلاد.. كيف استقبلتم هذا الطرح وكيف تردون عليه؟

هذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها علي عبدالله صالح عن الحكم المحلي واسع الصلاحيات، فقد سبق له أن لجأ إلى هذه المسرحية الهزلية سابقا، فهو كلما ضاق عليه الخناق في الجنوب بادر إلى رمي هذه القنبلة الدخانية من أجل التمويه على القضية الجنوبية.. نحن لا ننكر أن شعبنا في الجنوب يعاني من المركزية في الحكم، ولكن ليست هذه مشكلته الفعلية، لقد أوضحت في إجابتي السابقة أننا اتفقنا على إقامة شراكة وحدوية بين دولتين، لكن إحدى هاتين الدولتين استأثرت بالمشروع كليا، وألغت حقوق الطرف الآخر كاملة.
ونحن نعتبر أن الحكم المحلي هو عبارة عن فتات موائد، وليس التشخيص الدقيق للمشكلة.. هناك شعب في الجنوب له حقوق واضحة لا تقبل التفريط ولا المساومة، وقد حدد أهدافه بوضوح وعلى رأسها حقه في تقرير مصيره واستعادة استقلاله، ولا أعتقد أنه من حق أحد أن يفرض عليه ما لا يريد تحت أي مبرر كان، وباسم أي قضية مهما بلغت أهميتها.
ورَدّي على دعوة الحكم المحلي هي الطلب من الأمم المتحدة تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في الجنوب تقوم بالتحضير لاستفتاء الشعب حول الوضع الراهن، فإذا كان الشعب مع الحكم المحلي فلا نقاش ساعتها، وإذا أراد أن يستعيد استقلاله فعلى الإرادة الدولية أن تمكنه من ذلك.

قابلتم عرض الرئيس اليمني بإقامة «حكم محلي كامل الصلاحيات» في الجنوب بمظاهرات عارمة تطالب بالانفصال.. هل الانفصال غاية أم وسيلة بالنسبة إليكم؟

في جميع الأحوال فإن أي قراءة موضوعية لما يحصل في الجنوب من حراك تؤكد أن شعبنا قرر أن يمسك مصيره بيده حتى يستعيد دولته المستقلة.. وبالتالي فإن المظاهرات الحاصلة في الجنوب ليست ردا على دعوة علي عبدالله صالح للحكم المحلي، بل على العكس فقد استبق هو المظاهرات ليقدم هذا العرض البخس، فقد أراد علي عبدالله صالح من عرضه التمويه، وتصوير القضية الجنوبية على أنها عبارة عن مظاهرة احتجاجية، رغم أنه يعرف أنها أكبر من ذلك.. نعم هي بدأت كحركة مطلبية منذ حوالي ثلاث سنوات من خلال التحركات التي قام بها العسكريون المُسرَّحون من جيش الجنوب الذي صرفه علي عبدالله صالح بالكامل من الخدمة، وأبقى على جيشه القائم على الولاءات العائلية والقبلية والطائفية.
إن ما يحصل في الجنوب ليس حركة مطلبية أو هبَّة سياسية عابرة بسبب التمييز، بل هو حراك سياسي شعبي استقلالي، هدفه استعادة دولة الجنوب وعاصمتها عدن.

زعيم الحوثيين دعا مؤخرا لحوار مع كل القوى السياسية بما فيها السلطة.. لماذا ترفضون أنتم الحوار مع الرئيس اليمني؟

نثمِّن دعوة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي للحوار من أجل وضع حد لسفك الدماء.. أما بالنسبة للجنوب فكان دولة مستقلة ودخل في شراكة وحدوية وفشلت، وما يطالب به أهله هو استعادة دولتهم.

هل هناك حل لمشكلة اليمن غير اللجوء إلى الانفصال؟

القضية المطروحة ليست الانفصال، بل هي حقوق شعب الجنوب التي اغتصبت بالكامل. لقد تم إخراج الجنوبيين من مشروع الوحدة كليا، وجرى تهميشهم نهائيا على صعيدي السلطة والثروة، وحصل نهب ثروات بلادهم وتوزيعها بين المشايخ والضباط الشماليين، وتم تحويلهم إلى مواطنين من الدرجة الثانية. منذ سنة 1994 تحول الجنوب إلى غنيمة حرب، ولا يخجل أهل الحكم في صنعاء من القول «إن الفرع عاد إلى الأصل، وإن أرض الجنوب يمنية ولكن السكان لا ندري ما أصلهم، ربما كانوا من الهند أو إندونيسيا»!!؟
لقد فضح علي عبدالله صالح نفسه من جديد حين عبّر عن نظرة دونية لشعب الجنوب، فهو في خطابه الأخير قام بتكفير الجنوبيين واعتبرهم مرتدين.. هل هذا منطق رئيس دولة، أين المسؤولية؟
إذا كان الوضع على هذه الصورة فمن هو الانفصالي في رأيك، هل هو الذي يحرص على تطوير عملية التوحيد التي تقوم قبل كل شيء على الاعتراف بالآخر، وحفظ مصالحه واحترام هويته وشخصيته الثقافية، أم هو الذي يعمل في صورة منهجية للسيطرة على ثروات الجنوب؟
لا أريد أن أعود كثيرا نحو الماضي، ولكن تكفي إشارة واحدة إلى أن الذين عارضوا مشروع الوحدة هم الذين تحولوا إلى أشرس المقاتلين للدفاع عنها.. لماذا؟ لأنه صارت لهم مصالح اقتصادية في الجنوب.

تنادون بالنضال السلمي لانفصال الجنوب، لكن مظاهر الشغب وحمل السلاح في الجنوب طاغية على أي تحرك سلمي؟

أود أن أشير أولاً إلى أننا مؤمنون إيماناً تاماً بسلمية منهجنا، ولن ننجر إلى محاولات النظام لحرف الحراك السلمي عن هذا الطريق، وقد دعوت في أكثر من مناسبة شعبنا في الجنوب لكي يحذر من الفخاخ والكمائن التي ينصبها النظام لجر الحراك لاستخدام العنف. ومثلما سبق أن أوضحت فإن منهجنا يقوم على شل عضلات النظام، وإبطال مفعول قوته العسكرية، لأننا لا نريد إدخال بلادنا في حرب يستفيد منها النظام الذي اعتاد الحروب.
ثانيا: سبق أن ذكرت في أحاديث صحافية أن السقف السلمي للحراك ليس بلا نهاية، وشرحت هذه المسألة بأن بطش النظام قد يدفع بعض الناس إلى الدفاع عن أنفسهم، ولا أعتقد أن المظلومين سوف يسكتون على الظلم طويلا، ولاسيَّما أن الطرف الآخر لا يوفر مناسبة إلا ويقتل ويسجن، فلقد حوّل المدن إلى ثكنات عسكرية، يقتل ويسجن ويطارد المناضلين ويغلق الصحف، هل تعلمون أن صحيفة «الأيام» اليومية المستقلة موقوفة منذ مايو الماضي ومحاصرة، وممنوع على مالكها هشام باشراحيل الخروج من بيته؟!
ثالثا: بالنسبة للسلاح هو موجود في كل مكان والسلطة نفسها هي المسؤول عن تعميمه، وهي التي تتاجر به محليا وتصدره إلى الجوار، أما الشغب فمصدره السلطة التي تمنع المواطنين من التعبير عن أنفسهم على نحو سلمي وتقوم بقمعهم وإرهابهم وتوجيه الرصاص إلى صدورهم. لقد سقط الكثير من الشهداء والجرحى.

هناك من يتَّهمُكم بالسعي لما تسمونه «استقلال الجنوب» من أجل مصالح شخصية تضمن لكم العودة إلى الحكم؟

لو كنت ممن يسعون إلى الكراسي لما تنازلت عن الرئاسة في الجنوب وذهبت إلى صنعاء وقبلت بمنصب نائب الرئيس، لقد أقدمت على خطوة الوحدة عن قناعة. وكنت قد واجهت علي عبدالله صالح بهذه الحقيقة وقلت له: «لن تحصل من قبل أي شخص آخر على مثل الذي أعطيتك إياه، ولو كان هناك من هو على قيد الحياة من قادة الجنوب السابقين، وسار إلى الوحدة مع الشمال، فلم يكن ليقبل أن يتنازل لك عن موقع الرجل الأول، ويرضى بالموقع الثاني. ومهما بلغ الهدف من سمو، لن يسلمك دولة لا تعاني من أية مشكلة».. إن تنازلاتي التي قمت بها في هذا الميدان، كنت أطمح من خلالها إلى «تهريب الوحدة» -إذا صح التعبير- كنت أعرف أن نقطة ضعف علي عبدالله صالح هي السلطة، وأنه بحاجة إلى تطمينات وضمانات، فقررت أن أعطيه السلطة على أن أتمكن من تمرير الوحدة.***
إذن فاتهامي اليوم بأني أسعى للعودة للسلطة هو نوع من الظلم وتبسيط للقضية، فأنا أعلنت على الملأ في 22 مايو الماضي أنني تحركت استجابة لتحرك أهلي في الجنوب ومن منطلق مسؤوليتي عنهم لأنني أنا الذي وقّعت اتفاق الوحدة، وعليَّ مسؤولية أكثر من غيري لتخليصهم من الكابوس الحالي.
وبعيدا عن هذا وذاك فإن الحراك الحاصل هو عبارة عن حركة جماهيرية، انطلقت لأن مشروع الوحدة تحول إلى احتلال، وليس من أجل مصلحتي الشخصية.

ما تفسيركم لحديث علي صالح عن توجه اليمن القادم «نحو حكم محلي واسع الصلاحيات ولا مركزية إلا فيما هو سيادي»، ومخاطبته الجنوبيين بالقول: «اختاروا قيادات السلطة المحلية وتحملوا مسؤولياتكم في المحافظات والمديريات»؟

علي عبدالله صالح فقد زمام الأمر في الجنوب، وصار واضحا أن وجوده هناك عبارة عن قوة احتلال.. وهذه الحقيقة تترسخ في كل يوم على الأرض، ويدعمها وعي أهل الجنوب بقضيتهم وحقوقهم، وهو ما نلاحظه من خلال اتساع دائرة الحراك وتجذره شعبيا. ولا أبالغ إذا قلت إن كل جنوبي وجنوبية، الصغير والكبير، صار مقتنعا بقرب ساعة الخلاص.
إن ما يسعى إليه علي عبدالله صالح هو أن يجهض هذه الحالة، فهو من جهة يريد قطع الطريق على الاتجاه الاستقلالي، ومن جهة ثانية يحاول أن يبدو أمام العالم وكأنه يعترف بوجود مشكلة في الجنوب، ولهذا يرمي بقنابل دخانية من هذا القبيل. وفي جميع الأحوال هو غير جاد في إيجاد حل للأزمة، وإلا لكان اعترف بها، ولما بقي يدور من حولها.

يشهد اليمن اضطرابات واسعة في شماله وجنوبه، ففي منطقة صعدة، يخوض الجيش معارك طاحنة ضد الحوثيين، الذين تقول صنعاء إنهم يتلقون دعماً من جهات إيرانية ويتبنون معتقدات شيعية. وفي الجنوب، تطالبون أنتم رفقة مجموعة من القوى بالانفصال عن الحكومة المركزية، وقد جرت مظاهرات يوم الأربعاء الماضي في ذكرى الثورة في مناطق جنوبية تخللها مهاجمة مبان حكومية وإزالة الأعلام اليمنية.. هل تعتقدون أن حالة عدم الاستقرار هذه في خدمة الشعب اليمني؟

يجب توجيه هذا السؤال إلى من بيده مفاتيح الحل والربط، فهو يستطيع أن يجيب أفضل من غيره، لأنه هو المسؤول عن إيصال الموقف على ما هو عليه من تردٍ في الجنوب والشمال. وأظنكم تشاركونني الرأي في أنه لا يوجد أحد لا في الجنوب ولا في الشمال يسعى لإثارة المشاكل حبا في المشاكل. في الجنوب هناك حق مسلوب يريد أهله استعادته، ولم تبقَ لديهم وسيلة بعد 19 سنة من الصبر والمعاناة غير النزول إلى الشارع في حراك سلمي هدفه إجبار قوى الاحتلال على الرحيل. وهذا هو السبب الذي يقف وراء قيام المتظاهرين بإنزال الأعلام الرسمية ورفع علم دولة الجنوب. إن العملية رمزية وهي تريد توجيه رسالة لا لبس فيها، وهي أن لا مكان للاحتلال في الجنوب، لا سياسيا ولا عسكريا.

الرئيس اليمني وعد بسحق التمرد الحوثي قريبا جدا.. هل تعتقد أن الحل العسكري هو الوحيد الكفيل بتسوية الأوضاع في اليمن؟

لقد وعد بسحق الحوثيين خلال أيام معدودة وكان يريد أن يحتفل بالنصر في سبتمبر الماضي، ولكنه دخل في مستنقع يغرق فيه أكثر يوماً بعد الآخر، والسبب في ذلك أنه لا يؤمن بغير القوة، دون أن يعي أن القوة قد ترتد إلى صاحبها. إن المؤسف حقا هو إزهاق أرواح آلاف الأبرياء في حرب عبثية لا طائل منها، ولا نصر عسكريا في ختامها. وقد أدنت شخصيا هذه الحرب منذ البداية وعبرت عن تضامن أبناء الجنوب مع الأشقاء في صعدة، وناشدت الجنود الجنوبيين إلقاء السلاح والعودة إلى قراهم والتوقف عن الاستمرار في هذه المغامرة المجنونة، وقد لبّى العديد من هؤلاء النداء، وأنا أشكر لهم ذلك، كما دعوت بالمناسبة إلى عقد لقاء بين كافة الأطراف لتحريم القتال، وحل المشاكل من خلال الحوار.

اتهمكم الرئيس علي صالح بأنكم «قوى للتخلف» لأنكم تريدون العودة باليمن إلى الوراء، ففي الوقت الذي يشهد فيه العالم تكتلات إقليمية ودولية كبيرة وفي عصر العولمة والاندماج والتكامل ما زلتم تنادون بالانفصال.. فما هو ردكم على ذلك؟

لم يقف عند هذا الحد في اتهاماته لأهل الجنوب، بل وصلت به الغطرسة إلى حد تكفيرهم ووصفهم بالمرتدين. وعلى العموم ليست المرة الأولى التي يخرج فيها عن الحدود المعروفة ويوزع الكلام غير المسؤول. ما يهمني في سؤالك أن تمسكنا باستعادة استقلال الجنوب لا يعني أبداً محاولة لإعادة اليمن للوراء؛ لأننا نحن الذين نادينا سنة 1990 بولادة النظام اليمني الجديد، ونحن الذين كنا نعمل على قطع كافة الخيوط التي تربط اليمن بالماضي المظلم، ونحن أصحاب مشروع الدولة الحديثة والإصلاح الاقتصادي، وقد شن علينا علي عبدالله صالح الحرب لأننا ننادي بالتحديث، والشيخ عبدالله الأحمر كان يسخر منا وينعتنا بـ «الأساتذة» لأننا مدنيون.
فوق هذا وذاك فإن الاعتراف بحقوق الجنوبيين هو قوة لليمن وتعزيز للوحدة، ولو كان علي عبدالله صالح وحدوياً فعلياً لكان احترم للجنوبيين إقدامهم على الوحدة بقلوب مفتوحة ورحيلهم إلى صنعاء متخلين عن عاصمتهم (عدن)، لكي يبدأ ضدهم حرب اغتيالات في شوارع صنعاء حيث سقط منهم في العام الأول للوحدة نحو مائة كادر بين شهيد وجريح.
أرجو ألا يحصل خلط للأمور حين يجري الحديث عن التكتلات والعولمة والاندماج والتكامل، فليس المقصود منها تنازل الشعوب عن حقوقها، انظروا إلى موقف أيرلندا من «اتفاقية لشبونه»، لقد رفضها الشعب الأيرلندي في استفتاء عام، ولم يصوت لصالحها في المرة الثانية إلا عندما تم الاعتراف بخصوصياته ومصالحه. ثم إن أوروبا الموحدة نفسها هي التي وقفت وراء حق شعب كوسوفو في تقرير مصيره وهي التي خلصته من الاحتلال الصربي.


* ألا تعتقدون أن المشاكل التي يعاني منها الجنوب هي نفسها التي يعاني منها الشمال.. فإذا كان هناك فساد أو رشوة فلماذا لا يتم محاربتها بالطرق المشروعة دون اللجوء إلى إعادة تقسيم البلاد؟

نعم هناك الكثير من المشاكل المتشابهة، والسبب الرئيسي لهذا التشابه هو أن الفاعل واحد، ولكن الفارق بين الشمال والجنوب هو أن الجنوب شريك في المشروع الوحدوي، وتم إخراجه منه. ثم إن تنمية الكثير من المناطق في الشمال تمت بفضل نهب ثروات الجنوب، وأضرب لك مثالاً بسيطاً أن موازنة مستشفى الثورة في صنعاء هي أكبر من موازنة مدينة عدن بكامل مرافقها.
لقد تم تخريب كافة المنجزات التي قمنا بها في الجنوب على صعيد الطب والتأمين الصحي والضمان الاجتماعي والسكن، وجرت عملية مركزة في صنعاء.. مستشفيات عدن ومرافقها صارت كأنها تعرضت لزلزال.
نعم المشاكل متشابهة ولكنهم يعملون وفق عقلية «الشمال هو الأصل»، وهذا ما دفع بالجنوبيين للعودة إلى هويتهم، لقد ظلوا لمدة 19 سنة يبحثون عن أنفسهم في الوحدة وحين لم يجدوها عادوا يطالبون باستعادة دولتهم.


تتحدثون عن الفساد في سلطة الرئيس اليمني وتحرصون على إقامة حفلات زواج أسطورية لأفراد عائلتكم بملايين الدولارات، حتى أن البعض وصفها بأنها حفلات من ليالي ألف ليلة وليلة وأنه لا سابقة لها ولا في عهد البرامكة.. ألا يعتبر هذا «الإنفاق البذخي» استفزازاً لمشاعر اليمنيين؟


لا أعرف عن أي حفلات تتحدثون، ويبدو أن معلوماتكم مستقاة من بعض مواقع الإنترنت التي تحولت للأسف لدى البعض إلى وسيلة للدس الرخيص وكيل الشتائم وتلفيق الأكاذيب الخيالية واتهام الناس وتشويه صورهم. والمؤسف في عالمنا العربي أيضاً أن الخلاف السياسي لا يقف عند حدود السياسة، بل إن البعض لا يتورع عن تشويه صورة الخصم، حينما يعجز عن مقارعته سياسيا.


ما مصدر كل تلك الأموال، أنتم متهمون من طرف جهات عديدة بإفراغ خزينة الدولة أيام كنتم نائباً للرئيس، وبتلقيكم الدعم من قبل أجهزة استخبارية عربية وغربية لإعادة الحكم إلى سابق عهده؟


لا أدري عن أي أموال تتحدث، فأنا لم أكن مسؤولاً مالياً، ولا آمراً للصرف، ولم تكن لديّ سلطة صرف مالي لا في دولة الجنوب ولا في مرحلة الوحدة، وبالتالي فإن محاولة توجيه تهم مالية لي هو نوع من الاتهام السياسي الواضح، والذين يلجؤون إلى هذا الأسلوب عاجزون عن مواجهتي سياسيا.
أما المسؤول عن إفراغ خزينة الدولة ليس سرا، فالعالم كله يعرفه.. وقد كان أحد أسباب اعتكافي سنة 1993 هو احتجاجي على هذه القضية، فلقد اختلفنا علانية مع علي عبدالله صالح على أمرين: الأول عائدات النفط التي رفض إدراجها في الموازنة.. والثاني موازنة الرئاسة، فقد رفض تحديد موازنة ثابتة وظل يصرف دون قيود مالية، وفي وسعكم العودة إلى جميع أعضاء الحكومة في ذلك الوقت، والأخ رئيس الوزراء في حينه حيدر أبوبكر العطاس شاهد على ما أقول، فهو عجز في حينه عن إلزام وزير المالية علوي السلامي بقرارات مجلس الوزراء لأنه كان يتلقى أوامره من علي عبدالله صالح شخصيا.
وبصدد حديث الأجهزة أرى أنكم أخطأتم العنوان أيضاً فنحن معروفون بالمبالغة في طهرانيتنا خلال حكم الجنوب وليس العكس، وهذا شرف نعتز به، أما شركاؤنا في الطرف الآخر فقد كانوا يتعاونون علانية مع الرئيس العراقي صدام حسين الذي وعد علي عبدالله صالح بالمساعدة على تصفيتنا، فهو صاحب خبرة في تصفية الخصوم.


زعيم القاعدة في جزيرة العرب أبونصير ناصر الوحيشي سبق له أن أعلن دعمه للجنوبيين.. فهل تتلقون دعما من القاعدة؟


رددنا على تصريحات المذكور في حينه، وعبّرنا عن رفضنا لها، وفنّدناها. ونحن على ثقة أن توقيتها ليس بريئا، فالهدف منها هو تسجيل موقف على الحراك الجنوبي، فالقاصي والداني يعلم أن لا صلة لنا بهذا التنظيم لا من بعيد ولا من قريب، وقد شارك في القتال ضدنا سنة 1994، ودبر العديد من الاغتيالات لرفاقنا بتوجيه من أجهزة الأمن في الرئاسة اليمينة. ولا أذيع سرا إذا قلت لكم أن العديد من زعماء تنظيم القاعدة هم ضباط في الرئاسة لدى علي عبدالله صالح، وهذا أمر يعرفه الأميركيون والأشقاء في السعودية ومصر، وهم يعرفون من قام بتهريب الضالعين بالهجوم على المدمرة كول. وبحكم معرفتي حين كنت في صنعاء فإن المسؤول عن كل هذه الشبكات هو علي محسن الأحمر، الأخ غير الشقيق لعلي عبدالله صالح، وكل ما يصدر عن هذه الجماعة في اليمن هو من تدبير أجهزة الرئاسة، لذلك أدعو العالم والعرب ألا ينخدعوا بدعاية تهديد وخطر تنظيم القاعدة في اليمن لأن كلمة سر هؤلاء في الرئاسة اليمنية.


لماذا قرر علي سالم البيض في مايو 2009 الهجرة إلى أوروبا ومواصلة النضال من أجل «استقلال الجنوب» من هناك.. هل كنت مهددا من جهة ما؟


قررت الهجرة إلى أوروبا لعدة أسباب: الأول هو احترامي للاتفاق الذي تم بيني وبين الأشقاء في سلطنة عمان بعدم ممارسة العمل السياسي طالما كنت على أراضيهم. والثاني لأن لديّ إقامة في بلد أوروبي. والثالث هو أن أوروبا تسمح لي بالحديث والنشاط السياسي.
أما عن التهديدات فأنا كنت في أمان تام في سلطنة عمان، ولم أخشَ على حياتي أبداً، فالسلطنة آمنة وقدمت لي كل ما يمكن على هذا الصعيد.


والآن.. هل ما زلت تشعر بنفس التهديد بحكم الإجراءات الأمنية التي تفوق حد الوصف التي تحيط بشخصكم؟


كما سبق أن أشرت فأنا لم أتعرض لتهديدات بل لتحرشات من خلال مكالمات هاتفية، وإن كنت لا أثق على الإطلاق بحكام صنعاء.


بوجودكم في أوروبا ألا تعتقدون أن جهات كثيرة قد تستغل الوضع في اليمن من أجل الحصول على تنازلات كثيرة من
الحكومة اليمنية والضغط عليها فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب والتسلح ونشر القواعد العسكرية وحقوق الإنسان؟

لا تحتاج الحكومة اليمنية لمن يضغط عليها؛ فقد قدمت نفسها على الدوام وكيلا للقوى الغربية في المنطقة، فهي من

يقترح على القوى الغربية اعتمادها كعميل، ويعود هذا النهج إلى زمن قديم فقد عرفت صلات علي عبدالله صالح بالأجهزة الاستخباراتية الأميركية منذ منتصف الثمانينيات أيام جورج بوش الأب.. واليوم لا تفوت صنعاء مناسبة إلا وتتسول فيها لدى الأطراف الغربية من أجل مساعدة النظام على تثبيت نفسه تحت ذريعة أنه مهدد من قبل قوى إرهابية، ولا أرى أي مبرر لأن يتعرض هذا النظام للتهديد.



***

بل قام بتهريب الوحدة أيضاً حتى بعدم الإعلان عن الإكتشافات النفطية في الجنوب خوفاً من أن ينقلب الجنوبيين ويعيدون التفكير بالوحدة...سامحك الله يا رئيس لكن نحترم الرجال التي تعترف بأخطائها ثم تقوم لتصحح الأمور بكل الوسائل الممكنة...معاً لإستعاده إستقلال اليمن الجنوبي.

No comments: