أتذكر بوضوع اليوم الذي سقط فيه "الإحترام" الذي اكننته للشيخ
القرضاوي في ايام إنطوت من حياتي.
قبل السقوط المعنوي للرجل في ذاتي، كنت اتابع مواقفه السياسية إن صح التعبير. اتذكر إشادة صحيفة
النيوزويك بالرجل وما تعرضت له المجلة الامريكية العريقة من نقد لاذع من اللوبي
الامريكي وإعتذار
المجلة وسحب إشادتها للرجل في العدد التالي..!
المهم كانت للرجل أيام، لقب بخليفة الشعراوي رغم أنني لا اميل لتقديس الاشخاص
بتاتا، فتلك وصمه عار لكيان أي يساري.
كنت اتابع القرضاوي على الجزيرة التي عرفتنا بالرجل ببرنامجها الشهير، تماماً
كما غسلت ادمغتنا بهراء إستثماري إستمر 15 عشرة ليبداء قطاف الاستثمار وتنهار
الجزيرة ومن معها لحضيض الإبتذال والكذب، تعرى شعارها بعد أن كشفت رياح الزمن عن أنه مجرد رقم
مكتب بائس في وزارة الخارجية القطرية.
ربما كان احد ايام العام 2009..ربما لا اتذكر، الاكيد انه قبل الإنتفاضات
العربية بزمن. يومها إتصل أحد المشاهدين بالقرضاوي وسأله بما معناه:
سماحة الشيخ، كيف تفسر لنا أن كثير من المثقفين والمعلمين والفلاسفة المسلمين،
بل اغلبيتهم الساحقة تنادي بالعملمانية؟ كيف نفسر هذا الإتجاة الطردي بين العلم
والثقافة والعلمانية؟
وقتها بداء لي السؤال بالصميم، فعلاً لماذا؟ تحمست ان اسمع رد الشيخ لأرى كيف
سيجيب على هذا السؤال الصعب!
فعلاً لماذا كلما توسعت ثقافتنا ومداركنا .. زادتنا الحياة إقتناعاً وقرباً من
العلمانية!
الامر ليس محض جدال، السؤال كان واضح: لماذا؟ ليس السؤال هل هم على حق او لا؟
فموقف رجل الدين واضح. إذا كيف يفسر هذا؟ إن في حقيقة السؤال إدانة لخلط الدين بالسياسة،
لانه يوضح أن المستجيبين لهذا الخلط هم البسطاء. ليسوا جهله بالمعنى المتعارف
عليه، ولكنهم جهله بالثقافة السياسية وفلسفة الحياة. الرجل يتسال عن
النخبة..النخبة التي لا تزيد عن 0.01% من المجتمع. ولا يتكلم عن الجامعيين
والمتعلمين.. فهؤلاء ياخذون من العلم كفافهم، او بمعنى آخر، يغرفون من العلم الواسع
ما يكفيهم للإرتقاء المهني والحصول على وظيفة جيدة. المعنى بالسؤال هم النخبة
المفكرة التي تحرك الفكر الإنساني وتصنع خياله.
لا يمكنني وصف الخيالات التي دارت برأسي، خلال الفاصل الذي أعلنه مقدم
البرنامج بعد سؤال الرجل، دقائق الإنتظار عصفت بذهني توقعات لإجابه القرضاوي..
أقربها للواقعية كانت أن القرضاوي ومقدمه سيتجاهلون السؤال ويسقطوه وكأنه لم
يُسال... خساسة وهروب لكن كان الحل الاسلم بدل الإجابة التي ستدين الرجل وإتجاهه
الديني السياسي الذي يمثله.
وعاد البرناج والمقدم بعيد طرح أسئلة المشاهدين..وانا في ترقب وتوجس..وتهللت
أساريري عندما أعاد طرح السؤال الكبير على الرجل. شككت بأذني لجزء من الثانية
بعدها تحول إنباهي الكلي بإنتظار رد الشيخ!..لاشك ما دام قرر طرح السؤال فلديه إجابه
مقنعه، فهو لن يضع نفسه بموقف محرج في سبيل "مصداقية البرنامج".
جاء الرد الصاعقة ..هزيلاً.. إنهزامياً.. هارباً.. دبلموماسياً.. لحظة لحظة،
الدبلوماسية أبعد ما تكون عن رده، لانه رده كان محشواً بالغباء على خلاف الردود
الدبلوماسية التي تحمل في باطنها شيء من الذكاء اللطيف، او الكياسة الذكية التي
تحتاجها الدبلوماسية بكل حال.
رده ببرود بما معناه:
لا شك ان هذا الامر -أي إنه لا ينكر حقيقة أن اغلب النخب المثقفة هي علمانية
بل يعترف به ولم يحاول مجرد التشكيك به- يفرض علينا أن نبذل جهداً مضاعفاً وعمل
جباراً من اجل ان نصل إلى هؤلاء وندعوهم ونبين لهم الظلال الذين هم فيه.
هذا كان الرد "حاف" وببساطة!
وهكذا كان السقوط الرهيب... لقد ندمت لانني في يوم من
الأيام كنت احترم "فكر" القرضاوي.
وتوالي السقوط وراء السقوط على مر السنين... للشكل اللي وصلنا له.