ما فيش دولة !! هذه هي اكثر عبارة إستمعت إليها خلال الاسبوعين الماضيين؟؟
على لسان كل إنسان ساخط على الحكومة والوضع العام هنا، تجدها كما لو كانت العبارة السحرية التي تبرر كل ما يحصل. يُفتح موضوع رفع اسعار الكهرباء فتسيل اللعنات على النظام واولهم الرئيس بشخصه وعندها يهتدي الكل للكلمة السحرية " ما فيش دولة !" وعندها تجد الإجماع ويهداء الوضع كما لو توصل المتحدثين للخلاصة وينتهي الحديث مع شعور غريب تراه في وجوه البعض من إرتياح لسماع العبارة، ربما كنوع من التقبل النفسي او ربما هو فعلاً إحساس بانه إنجاز عصارة الفكر والجدال العقيم الذي لا يقدم ولا يؤخر في شيء بنظري.
وهكذا دواليك تنتعش هذه الفتره هذه العبارة رغم أنها ليست بجديدة إطلاقاً ولكن النكبات على الشعب تراكمت هذه الايام من رفع لاسعار الكهرباء وقوالوا "ما فيش دولة" وقلنا معاهم ايوه صح "ما فيش دولة !" ورفعوا اسعار المياة وتجادل الشعب الكريم وخلصوا إلى أنه " ما فيش دولة !" وقلنا اكيد ما فيش دولة، طلعت ازمة الديزل من جديد وتنقهر لرؤية عشرات إن لم تكن المئات من السيارات والقاطرات تتراكم على الطرقات في إنتظار دورها والسخط واللعن للحكومة وللمسؤولين الفاسدين لا يتوقف وكمان يصيحوااااا "ما فيش دولة !" وقبلها شفنا إيش حصل في 7\7 ذكرى إنتصار الشمال على الجنوب وما آلت له الامور من وضع شبيه بالإحتلال وإحتفل النظام بالذكرى واشاد بهزيمة الجنوبيين وإنتصاره عليهم ، ولتاكيد الوحدة الدموية بقوة السلاح والدم، سفكوا الدماء يوم الاربعاء الماضي في خورمكسر وقتلوا عبداللطيف محمود عبدالله بدم بارد وإصابة العديد غيره وإحتق الوضع مجدداً وافرغ الشعب الشحنة بنفس المنطق النرجسي العجيب وقالوا "ما فيش دولة !" وزفت لنا الفضائيات صورة مجرم الحرب علي عبدالله صالح من روسيا يشتري سلاح بمليار دولار ليقتل به الجنوبيين والحوثيين ومن تسول له نفسه الإعتراض من البقية، والمفارقة هو أن يستمر الشحت الرسمي والمطالبة بدعم اليمن إقتصادياً وإلا إنهار بنفس الوقت!! وعموماً روسياً تبرعت "بمليون دولار" لدعم التنمية في اليمن! نعم مليون واحد فقط بعد صفقة بالف مليون الخاصة بالسلاح المذكور وصاح المحللون "ما فيش دولة!".
وهلم جرا نتجرع العبارة كلما طفحت المجاري او تسكرت الطريق او طلعت الحفر في الخط او مره ثانية إنتقلت الفوضى من الديزل وصار اصحاب البترول الذين كانوا يحسبوا إنفسهم بنعمة الله يذوقون العذاب عشان يتساوى الجميع في الشحططة لاننا في بلد ديمقراطي طبعاً ولكن للاسف الديمقراطية بس ناقصة إنه "ما فيش دولة !". المهم يعيش العلم الذي يرفعه صاحب الباص وصاحب السيارة الذي اقلني من الشيخ عثمان إلى المعلاء في وقت متاخر ويصب اللعنات ويتمتم بكلام مليء بالحنق والعلم الوحدوي لاصق على الزجاج امامه ويرتاح فعلاً بقوله "ما فيش دولة !". طبعاً حكاية العلم حيجادل البعض إنها رمز البلد والحكومة شيء آخر، لكن لا تنسى إننا نتكلم عن اليمن حيث يرفرف اليوم علمان الاول يعني -وبغض النظرعن ايه نوايا اخرى- فيما يعنيه إنك موالي للنظام وسياسية الحكومة في كل المجالات ومنها ما يخص القضية الجنوبية وهو علم اليمن الرسمي، وعلم آخر يعني - وبدون اي نوايا اخرى!- انك على النقيض تماماً من الاول، وينهج نهج الحراك الجنوبي المطالب بفك إرتباط الجنوب تماماً عن الشمال وهو علم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية او دولة الجنوب السابقة.
يبدو لي أن نظام الفوضى هو السائد في اليمن وإعتقد أن محبي نظام الفوضى او اللادولة سيتباهون في اليمن، وعموماً هو إتجاة فكري وليس كلام ساذج يسمى بالفوضوية او بالإنجليزي Anarchy
والرمز الخاص بنظام الفوضى هو حرف إيه اللاتيني في دائرة كما في الصورة، ويمكن قرأة الكثير عنه في ويكي الإنجليزيه.
|
شعار نظام الفوضوية او اللادولة |
|
عموماً صارت عبارة "ما فيش دولة!" على كل لسان وكل واحد يفسرها زي ما يحب، إما سياسة او طفش او نكد او حتى مجرد تعبير على الموضة، المهم أنها مخرج للتنفيس لكل ما يريد بدون أن يجد من يعترض ابداً وهنا الكارثة! فما دام هذا الإجماع الساحق على أنه "ما فيش دولة" إذا السؤال المطروح: وبـــــعـــــديـــــن؟؟؟؟؟
فعلاً ماذا بعد؟ يعني حنعيده تاني وتاني وتاني؟ لحد إمتى على راي المصريين؟
احياناً اتسأل ما هو الوضع الذي يتوجب على أي شعب ان يعانيه جتى ينتفض ويثور؟ اتسأل ماذا عانا الجنوبيين من بريطانيا ليثوروا عليها؟ ماذا عانا الشماليين من الإمام ليثوروا عليه؟ ماذا عانا الفرنسيين من الملكية؟ ماذا عانى الامريكيين ليثوروا على بريطانيا ويستمروا بالإحتفال بتلك الثورة منذ ثلاثة قرون؟؟ ماذ عانت اغلب شعوب الارض حتى ثارت وصار لجميع الدول -ما عدا العجوز بريطانيا- اعياداً وطنية تحتفل بثوراتها؟
نعم اتكلم عن ثورة حقيقية تطيح بكل ما هو قائم ونعيد الوضع لوضع "شبيه" بالطبيعي على اقل تقدير او نقوم بعمل "دولة" عشان الناس تبطل تقول "ما فيش دولة" لانها عبارة لو قيلت في مجتمعات تحترم وجودها وحقها في الحياة لقامت الدنيا ولن تقعد! الكلام هذا مش مزاح وممكن في بلاد ثانية الكلام هذا يودي في مليون داهية، بس ما فيش خوف -إلى حد ما يسمح بالمجازفة مع نسبة فيفتي فيفتي برضه لانه لسه مشتري مليار دولار أسلحة ويقولوا بضمان النفط اللي تحت الارض!!! عشان اي واحد يرفع صوته ومنهم كاتب هذه السطور- لانه ببساطة يا جماعة مـــــــــــــــا فـــــــــــــيــــــــــــــــش دولـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة.