الكتابة

الكتابة كفعل كانت ملجاء ومتنفس شخصي وصارت بعد ذلك عامل إجهاد لاسباب متعدده حتى توقفت. مع مرور السنين تتوسع المفاهيم والإدراكات للحياة وما بعدها وتتضائل الرغبة بالكتابة، ليس لقله ما يجول في الخاطر ولكن إدراكاً ان الكتابة كفعل صارت تحت الشك في قرارة النفس.

تلاحقها تساؤلات وإتهامات على شاكلة:
لمن ولماذا تكتب اصلاً؟
هل هي مذكرات خاصة لا أكثر، إذاً لما تنشرها؟
هل هي كتابات لا تُسمن ولا تغني؟
الكتابة تمرين، هل بدون إلتزام الافضل التنحى؟
انت لا تكتب جديدا بالمحصلة! 

الحياة مليئة بالمشاغل والالتزامات، اضعاف مضافعة عما كانت علية قبل 10-15 سنة، فلم التكلف بما أنت لست أهلاً له!

وغيرها الكثير الكثيرمن التساؤلات... 

أن تجربة السنين أدخلت الكثير لقاموس التجربة الشخصية: مأسي شخصية وكوارث وطنية وإنسانية، صدامات على مختلف الاصعدة، صداقات أكثر، زواج، سفر، بلد جديد، لغة جديدة، عمل جديد، صراع هوية متجدد... بالحقيقة الكثير مما يستحق الكتابة والتعبير عنه، ومما لا يستحق ايضاً. 

كتاباتي تظل شخبطات وربما ترقي للشطحات الطفولية. لكن ربما ليست طفولية بقدر ما هي إنعكاس لتطور الذات البشرية البسيط. أن أكثر ما يمتعني هي العودة لما كتبت في الماضي. حينها اندهش بمعنى الكلمة، هل هذا أنا الذي كتب هذا؟ في البداية كنت اشعر بالحرج، لكن مع الوقت..أدركت أن الحياة على قصرها، مدهشة بعمق التغيير التي تحدثه فينا دون أن ندري. تعلمت التصالح مع ذاتي كثيراً، وهو ما ساعدني على تفهم غيري بشكل أعمق.

أتذكر جملة نسيت قائلها يقول بما معناه: لست مستعد أن اموت لأجل المبادئ، لانها قد تتغير!

طبعاً لن نخوض بجدال فلسفي مع او ضد، لكن ساستعيرها جزئياً للتعبير عن التغيير التي على الأقل طرأ على أفكاري. قمت شخصياً بتصريف الجملة عن طريق إحلال كلمة قناعات بدلاًَ من مبادئ، لتتناسب اكثر مع ما اراه من تعبير حقيقي، فكلمة مبادئ شديدة الحساسية.

خضت  فيما مضى معارك صغيرة على المستوى الشخصي والسياسي والثقافي والديني.. الكثير منها إضمحل مع الوقت وحلت مكانها أفكار اخرى. لكن الشاهد لدي، هو ان القناعات تتولد بحكم المعطيات وبالتالي تنشيء بعدها المبادئ. وحيثما تغيرت او توسعت المعطيات تولد تاثير الفراشة بحكم الفيزياء والمنطق. أمر مثير للإهتمام بالنسبة لي.

لا أعرف أن كنت حقاً اريد العودة للشخبطة، ربماً هي رغبة دون إرادة حقيقية. مع تقدم العمر، يريد المرء القليل المفيد لدنياه ولآخرته. 

أنا اريده خبزاً، ليس كأي خبز.. إنما كخبز الأم في قرية ريفية صغيره في جنوب اليمن يتناوله من يد امه التي أعدت له الخبز التقليدي (المُعطف اليافعي) بيدها على موقد قديم يعمل على نار الحطب والدخان يملئ المكان ويعمي العيون، لكنه لا يعمي ابصار الحب والحنان والعطف والتضحية.

اقول هذا وأنا الأن في شقة جميلة في مدينة شتوتجارت الالمانية ومهد كثير من صناعاتها وحضارتها، هنا نعم لا تعمى العيون حقاً .. لكن الأبصار فبلى.

يافع - اليمن