هذه مداخلة حيدر ابوبكر العطاس رئيس الوزراء اليمني الاسبق واحد القادة اليمنيين الجنوبيين المقيمين في الخارج، هذه المداخلة كان يجب ان يتم طرحها في ندوة الحوار والتشاور الوطني عن القضية الجنوبية التي نظمها اللقاء المشترك المعارض، ولكن تم تجاهلها ببساطة!
الرسالة منقولة من صحيفة الوسط، يقول العطاس:
الحضور الكريم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته-مع تحية خالصة لكم جميعا فردا فردا - كم كنت تواقاً لأكون بين ظهرانيكم لاتحدث اليكم مباشرة لكنها الأزمة، التي تبحثون اليوم عن مخارج لحلها ، هي التي حالت دون ذلك وآمل أن لا يطول البحث الذي بدأ في العام 1993م بحوار وطني توج " بوثيقة العهد والاتفاق " التي أجمعت عليها كافة القوى السياسية ووقعتها فى 20فبراير 1994م في عمان، والتي نصت على "تصحيح مسار الوحدة "ولكن للأسف فبدلا أن تكون حلا للازمة حينها، وهى لازالت طرية العود يسهل تقويمها بتصحيح المسار الذي انحرف بإعلان الـ 22مايو 1990م عن قيام دولة الوحدة دولة المؤسسات الدستورية والعدل والمساواة و النظام والقانون وإعاقة الاندماج على قاعدة الشراكة التكاملية بين شعبي الدولتين المتعاقدتين بمؤسساتهما المختلفة الرسمية والشعبية : الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ، فقد سارت الأمور بالاتجاه المعاكس تماما بـــ 180 درجة ، بفعل القوة القاهرة والمدمرة للحرب .
لقد كان بالإمكان إبطال مفعول القوة التدميرية للحرب ، كي لاتطال الآمال العريضة التي حلم بها الجميع ، في الوحدة والديمقراطية ، في بناء الدولة المؤسسية ، وتمنع حدوث تلك الشروخ والكسور والأضرار السياسية والاجتماعية البليغة التي لحقت بالآمال المعقودة على إعلان الـ 22مايو 1990م، لو نظر لها "كحرب اهلية " فى بلد واحد مثل تلك الحروب الأهلية الحديثة والقديمة التي شهدتها العديد من بلدان العالم ومنها عالمنا العربي ، والتي ما إن تضع أي حرب أوزارها وتهدأ نيرانها حتى تسارع القوى الوطنية المتحاربة و بمسؤولية وطنية لـعقد " مصالحة وطنية " قبل أن يعلن المنتصر انتصاره ويفرض على المهزوم بقوة الحرب الإعلان عن هزيمته ، فليس في الحروب الأهلية منتصر ومهزوم ، وتجتهد في العمل لإزالة كل آثار ومخلفات الحرب وترسم الأسس والقواعد السياسية والقانونية والدستورية لتسوية وطنية تاريخية تزيل أسباب الحرب وتحفظ حقوق أطرافها لتمنع تكرارها ، وهنا تكمن خلفية قراري مجلس الأمن الدولي العاملة رقمي / 924و 931لعام 1994م/ والتي دعت لمثل هذه التسوية الوطنية وأكدت عدم جواز فرض الوحدة بالقوة ، لكن للأسف لم يصغ لدعوات الحوار و المصالحة الوطنية أثناء الحرب و بعدها مما يؤكد بان الحرب قد شنت ومع سبق الإصرار لشطب طرف الوحدة الجنوبي والاستيلاء على الأرض والثروة للتمدد جنوبا ، ولهذا السبب تحولت الحرب من حرب أهلية إلى حرب بين دولتين، أعلن المنتصر عن نصره المؤزر فتجسدت فيه كل صفات المحتل فمارس كامل حقوقه كمحتل دون أن يأبه لواجباته بموجب الأعراف والقوانين الدولية، تم ذلك إن بوعي أو بدون وعي، وان بقصد او بدون قصد ، فقد أكدت كل الممارسات على الأرض منذ 7 يوليو 1994م ان الجنوب وقع تحت الاحتلال فتحول من شريك إلى محتل .
من الصعب على المرء أن يقنع نفسه بهذا الاستنتاج المؤلم لكن الحقائق المرة على الأرض لا تتيح خيارا آخر ، وستجدون من متابعتكم أيها الإخوة أنها المرة الأولى التي أتحدث عن هذا الاستنتاج رغم حضوره مبكرا مراعاة للمشاعر ولأنني كنت آمل بعودة الوعي وكدت افقد هذا الأمل لولا صــحوة "اللقاء المشترك" ، المدفوعة بالحراك السلمي الجنوبي المتعاظم، و آمل ان يمسك "المشترك"بالخيط الرفيع قبل انقطاعه ، وعليه وفي ندوتكم هذه المكرسة للقضية الجنوبية، في إطار التحضير للتشاور الوطني المأمول لامجال للتغطية فالمجال فقط لوضع الحقائق وتسمية الأشياء بأسمائها ليقف التشاور الوطني أمام الحقائق كما هي ولا يحوم حولها ليخرج بتسوية وطنية تاريخية تؤسس لمستقبل آمن ومزدهر للأجيال القادمة .
الاخوة الاعزاء ...
خلفية الأزمة وأسبابها :-
إن الأزمة السياسية الراهنة التي تعيشها البلد ، أزمة غير مسبوقة بدأت ملامحها تتشكل حين اصطدم إعلان الثاني والعشرين من مايو1990م بنهج الجباية وعقلية اللادولة ، فجاءت المحاولة الأولى للإصلاح في" برنامج البناء الوطني والاصلاح السياسي والاقتصادي والمالي والاداري" ، لبناء دولة الوحدة ، لكن المعارضة كانت شرسة فى مواجهة اولى تطبيقاته رغم إقراره في مجلس النواب فى 15 ديسمبر 1991م، ويكفي أن أشير إلى مشهدين ، الأول: عند البدء بتطبيق قرار اللامركزية المالية للمحافظات في شؤون التعليم والخدمات الاجتماعية ،فقد اعتبره البعض أضعافا لصنعاء العاصمة فقاوموه؟ والثاني مع البدء تطبيق الحركة القضائية الذي كاد وزير العدل حينها الاخ/ عبدالواسع سلام ، يفقد حياته ، حيث اعتبره نفس البعض تعديا على الشريعة زوراً وبهتاناً ؟؟ . أما المحاولة الثانية فقد تمثلت في" وثيقة العهد والاتفاق" ، وثيقة الإجماع الوطني ، فكانت الحرب لها بالمرصاد. وكان يوم 7/7/1994م المشؤوم يوم إسقاط اتفاق الــ22 من مايو1990م وإعلانا بوفاة الوحدة السلمية والطوعية بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية . وهكذا أسقطت الحرب شراكة الجنوب السلمية في الوحدة ،وكانت بمثابة المفسدة الكبرى التي أنتجت كل هذه المفاسد المتعددة و التي طالت الوحدة بإخراج الجنوب كشريك والديمقراطية كرديف للوحدة بإفراغها من محتواها ، وكرست نهج القوة والتفرد ، وأوجدت حفنة من النهابة ذوي الإحساس الميت والجشع المفرط ألحقت بممارساتها القبيحة أضرارا جسيمة بوشائج الوحدة السلمية وبالحياة الاقتصادية و المعيشية والمدنية للشعب وبالسلم الاجتماعي فأوجدت شروخا نفسية عميقة وشعورا متعاظماً بالغبن والقهر المقرونين بالغضب . وبرز جليا أن النظام السياسي الراهن الذي يتمسك بنهج التفرد والقوة ،هو الابن الشرعي للحرب التي أسقطت الوحدة ، وهو المسؤول مسؤولية مباشرة عن منع قيام الدولة بسلطتها الوطنية وتفعيل مؤسساتها الدستورية والقانونية والاستعاضة بدولة السلطة لتحالفات قوى الحرب والفساد ،فسخرت الدولة بمؤسساتها للاحتفاظ بالسلطة فى أيادي حفنة النهابة ومن لف على موائدهم النتنة، فإحباط التداول السلمي للسلطة كإحدى تجليات الديمقراطية ، وقمع الحريات وخوض الحروب الداخلية وتشجيعها بين مكونات المجتمع تحت ذرائع واهية، كالثأر والخلاف على الأراضي وغيرها ، هذه الممارسات وغيرها دفعت بتعميق الأزمة، فترتكب الأخطاء ويتم التعدي على الحقوق العامة والخاصة في سبيل غاية الاحتفاظ بالسلطة، وكأنها ملكية خاصة وليست تكليف بإدارة الدولة من قبل الشعب لفترة معينة ثم يفوض الشعب إدارة أخرى أفضل ببرامجها وعطائها، فيحصل التجديد وهو أمر لازم للتطور والارتقاء الموقف السلبي واللامبالي، للقوى الوطنية والاجتماعية والأحزاب السياسية الفاعلة، أمام الحرب وتداعياتها والسكوت ازاء كل السلوكيات والممارسات الضارة بالوحدة التي حدثت على أرض الجنوب، بل إن الكثير وللأسف تدافع نحوالجنوب الجريح ليس للمواساة أو لإزالة ضرر، بل للحصول على حصة من الغنيمة .
استذكروا ، أيها الإخوة، كم كان وقع هذا التدافع مؤلما على أبناء الجنوب المقصيين من حقهم على أرضهم والمبعدين من المشاركة فى السلطة والثروة ، والأشد إيلاما أن هذا التدافع لازال مستمرا حتى اليوم ولنفس الأهداف، فبماذا نفسر آخر صيحات النهب والإقصاء لأبناء الجنوب، فبتوحش تم طرد رجل الأعمال الجنوبي "صالح باثواب وشركاؤه " من استثمار منجم الذهب في "وادي مدن" بحضرموت الذي بدأ العمل فيه من قبل السوفيت قبل الوحدة ورسى عليه وشركاؤه للاستثمار بعد انسحاب السوفيت وقبل الحرب وتم إسناده بعيدا عن أي مقاييس لرجل أعمال من أبناء الشمال كواجهة لنهابة العصر، وبكل بجاحة فانفصالي تهمة جاهزة لإسكات أي صوت جنوبي يرتفع لنقد منكر أو ظلم بين أو ممارسة انفصالية فعلية يقوم بها دعاة الوحدة وهي منهم براء. كما لم يرتفع أي صوت للقوى الوطنية للدفاع عن "وثيقة العهد والاتفاق" الموقعين عليها فلربما وجد أبناء الجنوب في تبنيها والبدء في تنفيذ بنودها عزاءا لهم وأملا في مستقبل آمن ، بل ترك الحزب الاشتراكي بصوته الذي لم يخب بالرغم من هول حجم الإرهاب الفكري وتوأمه العنف وحيدا في الدعوة للحوار والمطالبة بالمصالحة الوطنية وإزالة آثار الحرب ، كل ذلك شجع النظام على التمادي في ممارساته في الجنوب ، فتوغل في مسلكه، المنافي لكل القيم التي ارتكز عليها إعلان الوحدة، جنوبا وشمالا، بلغ حد الاعتداء الصارخ على إرادة الجماهير في التعبير عن رأيها في الانتخابات ، بموجب منظومة القوانين التي شرعها هو، وجعل الحياة المعيشية للشعب اكثر صعوبة ونكدا لكل من يسعى للحصول على لقمة العيش الشريفة .
الحضور الكريم ..
القضية الجنوبية الحلقة المركزية للأزمة الراهنة :-
وفيما تقدم وكما أرى أن القضية الجنوبية تشكل الحلقة المركزية للأزمة الراهنة وتكمن في أزمة الوحدة التي طالبت وثيقة " العهد والاتفاق " مبكرا بتصحيح مسارها قبل الحرب التي دمرت الوحدة و شكلت -بما أنتجته من نظام سياسي- الأزمة الراهنة، ودون الإمساك بهذه القضية ومعالجتهما أولا معالجة شجاعة وبطريقة ديمقراطية وسليمة فلا معنى للحديث عن أي معالجات جادة تخرج البلاد من أزمتها الخانقة ، ويستدعي ذلك تصحيح كل الأخطاء والعيوب والثغرات في إعلان الوحدة الاندماجية التي كشفتها الحرب وأكدتها الممارسات اللاحقة لها، وإزالة كلما ألحقته الحرب من آثار معنوية ،سياسية واقتصادية بالجنوب وشعبه، ولعل أكبر خطأ وقع فيه الحزب الاشتراكي - قطعا بغير قصد- تمثل بعدم الاهتمام بحقوق شعب الجنوب عندما أدخله كشريك في الوحدة دون تفويض منه، وهى لب القضية التي دفعت بشعب الجنوب ليهب عن بكرة أبيه في حراكه السلمي المبارك مطالبا باستعادة حقوقه، وحقوق الشعوب لا تسقط بالتقادم، وبدلا من الاعتراف بالقضية الجنوبية ودعوة الحراك السلمي للتحاور لإيجاد أفضل السبل لمعالجة دستورية عادلة ترفع عن كاهل الجنوب جحافل الاحتلال وترسي بمداميك الرضا والاقتناع المؤسس على الحق والعدل والمساواة أسس وحدة قابلة للبقاء والتطور ، تم وبصلف توجيه اشد الحملات القمعية لجماهير الحراك الجنوبي وقادته، فسقط أكثر من 216 شهيدا والعديد من الجرحى والمعوقين والمطاردين ومورست كل أنواع الإذلال والقهر ضد أبناء الجنوب فزادتهم ثقة بعدالة قضيتهم وإصرارا على مواصلة النضال السلمي حتى بلوغ الأهداف، ولن يجدي صراخ وعويل الدفاع الكاذب عن الوحدة القائم على الظلم والقهر والنهب واستباحة الحقوق ، فالشعوب أقوى وأكثر قدرة على مواصلة النضال مهما بلغت التضحيات وطال الزمن ، فالحق ابلج ومنتصر بإرادة الله.
*اولا :- أزمة الوحدة :-
ان الوحدة تعنى اتفاق وتعاقد مكونين سياسيين أو أكثر على الاتحاد في مكون سياسي واحد يتناسب مع ظروفهما ترتضيه شعوب المكونات السياسية المتعاقدة، لتحقيق التكامل المتكافئ لقدراتهما السياسية والبشرية والمادية وصولا لتحقيق اكبر المنافع، يستفيد منها كل أفراد المجتمع، دون استحواذ أو بغي من طرف على الآخر ، وهناك عدة أشكال من التوحد أفرزتها التجارب البشرية تحقق الأهداف المتوخاة وهى:- الاندماجية والفيدرالية و الكنفدرالية، وقد اكتفت بعض الأنظمة بالوحدة الاقتصادية التى تتكامل فيها اقتصادياتها. وفى الحالة اليمنية وبعيدا عن الجدل التاريخي، فقد تأثرت الوحدة بالدعوات العاطفية للوحدة العربية الاندماجية التي فشلت في أولى اختباراتها في الوحدة الاندماجية بين مصر وسوريا، كما أن دعوات استعادة الوحدة اليمنية لا تستند إلى أي سند تاريخي، وقد تم دحضها باتفاق الوحدة الذي أعلن: بين دولتين وطنيتين ، مستقلتين ، ذات سيادة وعضوين في جامعة الدول العربية والأمم المتحدة . ويخطئ من يقارن الوضع في اليمن بوضع ألمانيا التي كانت حتى العام 1944م دولة سيادية اتحادية موحدة في كيان سياسي واحد، فرض عليها الانشطار والتقسيم بين المعسكرين كغنيمة حرب بالقوة نتيجة للحرب العالمية الثانية فعادت لوضعها الطبيعي بعد سنين القهر الطويلة..
لقد اتفقت القيادات السياسية في الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ، على الوحدة الاندماجية بإعلان الـ 22 مايو1990م ، دون أن يستفتى الشعب في البلدين على الوحدة ، وبرزت تحديات فعلية أمام الوحدة الاندماجية المعلنة على عجل ، وجرت محاولات جدية لتلافي الأخطاء وللحد من الممارسات الضارة بالوحدة -تم الإشارة إليها فيما سبق- لكن الحرب كانت أسرع فقضت على كل هذه الجهود الوطنية وأعادت الوضع إلى نقطة الصفر ، وهكذا شكل إعلان الانتصار على الجنوب يوم 7 يوليو 1994م إيذانا بانتهاء الوحدة الطوعية والسلمية ، والحقائق التالية تؤكد ذلك :- 1) وجهت الحرب الضربة القاضية للوحدة الطوعية الديمقراطية ، وأنهتها حيث أخرجت الجنوب كشريك للوحدة وفرضت عليه الوحدة بالقوة ، أي أنها حولته من شريك إلى محتل ، ومع احترامنا وتقديرنا للشخوص الجنوبية المتواجدة في أجهزة السلطة فإنها لا تمثل الوحدة ولا نعيب تواجدهم في مناصبهم فقد فرضت ذلك ظروف الحرب ، وهم جزء اصيل من شعب الجنوب، لديهم نفس الأحاسيس ولهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات تجاه شعبهم ومستقبل اجياله ويمكن ان يكونوا يوما ما ممثليه في وحدة حقيقية يتمتعون بالسلطة والثقة كشركاء .
2) لو كانت الحرب من أجل الوحدة كما يقولون، لشرعت سلطة 7يوليو 94م في مصالحة وطنية تعيد الجنوب كشريك بكل مكوناته التي أخرجتها الحرب سيما بعد أن أظهرت انتخابات 1993م استفتاء شعبيا منقطع النظير بسبب الممارسات اللاوحدوية مع الجنوب ، او استفتاء الشعب في الجنوب حول الوحدة . كما أنها لو كانت من اجل الوحدة لشرعت فورا فى تنفيذ " وثيقة العهد والاتفاق" وثيقة الإجماع الوطني كحد أدنى للالتزام بالوحدة ولا ما انتهكت دستورها واتفاقياتها.
3) جسدت الممارسات والسياسات المطبقة في الجنوب بعد الحرب نهجا احتلاليا لايمت بأي صلة للوحدة ، حيث حلت مؤسسات دولة الجنوب المدنية والعسكرية وقذف بكوادرها وقواها العامة إلى الشارع بدلا من دمجها مع مثيلاتها في الجمهورية العربية اليمنية بموجب اتفاقيات الوحدة ، وجرى ولازال يجرى نهب واستغلال غير مشروع ومنظم لأراضى الجنوب وثرواته مع إقصاء متعمد لأبناء الجنوب عن ثروات أرضهم ، وأكدت السلطة سياستها هذه بعدم تنفيذها لتقرير لجنتها في جزئية بسيطة عن نهب أراضى عدن (لجنة هلال - د.باصرة). فكيف سيكون الحال إذا أظهرت لجنة ما يجرى فى قطاع النفط والمعادن أو الاسماك ، حيث توجد أكثر من عشرين شركة عاملة فى قطاع النفط والغاز في الجنوب ولا يوجد وكيل واحد من أبناء الجنوب لأي شركة عاملة ، أما العمالة فحدث ولا حرج وكلكم يعرف ما حصل لبعض أبناء شبوة عند بوابة الشركة العاملة في "حقل جنة" أو في بالحاف من قبل بعض القادة العسكريين عند مطالبتهم بالعمل ، وكذا الحال في الأسماك وغيره ؟ . بماذا نسمى هذه السياسة ؟ .
4) غدت هذه الممارسات كابوسا في وجوه أبناء الجنوب فدفعتهم للنفور من الوحدة ، يصبون جام غضبهم على من أدخلهم في هذا الجحيم ، وارتفع صوت أبناء الجنوب في حراك سلمى واسع الانتشار ومستمر للفكاك من هذا الوضع المحزن رغم القمع الوحشي الذي أدى إلى سفك دماء أبناء الجنوب فسقط الشهداء والجرحى دفاعا عن الحق. ووصفوا بالانفصاليين لإسكاتهم ، فأيقن أبناء الجنوب بصحة وصواب حراكهم ومطالبهم فواصلوا .. 5 ) ولو كان ينظر للجنوب كشريك لما شنت عليه حرب ثانية لاسكات حراكه السلمي والديمقراطي للمطالبة بحقوقهم السياسية والاقتصادية والمدنية كشريك . ان هذه المواجهة العسكرية والأمنية لحراك أبناء الجنوب السلمي من قبل السلطة هي من أفعال المحتلين ، كما تدل أيضا محاولاتها لشراء البعض بمنح الوظيفة العامة والمال والسيارات وقطع الاراضي وهى من حقوقهم التي حرموا منها ، و بذلك تمعن في الإساءة لأبناء الجنوب وللوحدة و لنفسها وتفقد شرعيتها .
* ثانيا: أزمة النظام السياسي :-
كما اشرنا أن النظام السياسي الراهن هو الابن الشرعي للحرب الذي ترعرع وتوغل ، استنادا لإرث ما قبل إعلان الثاني والعشرين من مايو1990م ، كدولة كرست أجهزتها المختلفة لحماية السلطة وتمددت بالحرب جنوبا الى باب المندب وشرقا إلى رأس ضربة علي، محتلا كامل أراضي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ، ويمكن تحديد سماته فيما يلي:-
1 ) لقد اجتهد النظام منذ 7/7/1994م ، لبناء دولة السلطة ، التي بمؤسساتها الدستورية من تشريعات وقوانين تعمل فى منظومة كاملة من المؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية لحماية السلطة والاحتفاظ بها أطول مدة ممكنة ، ويصبح الوطن وثرواته ومواطنيه ملكا لها ، وهى وحدها التي تقرر وتمنح وتحجب ولا تسمح لأحد بالاقتراب منها فتحول المؤسسات الدستورية إلى هياكل ديكورية ، فانعدمت الممارسة الديمقراطية الحقة ومشاركة المواطنين في اختيار حكامهم وصنع وإدارة مستقبلهم، فتدنت مشاعر ومبادئ وقيم حب العمل من اجل المصلحة العامة ، وبالنتيجة عم وساد الفساد السياسي والمالي والإداري في كل مفاصل الدولة، فأصبح من صفاتها ومقوماتها التى تنهار بدونه .
2 ) وقد تم مقاومة بناء سلطة الدولة ، منذ إعلان الـ 22 مايو 1990م ، والى الآن لان سلطة الدولة ، تعني حماية الدولة بمؤسساتها الدستورية من تشريعات وقوانين وقيادات سياسية ، ينتخبها الشعب بكل حرية وشفافية باعتباره مالك السلطة، تفوض لإدارة الدولة بأجهزتها المدنية والعسكرية والأمنية لفترة معينة تعمل على تحقيق غايات الوطن وطموحاته وتعلي من قيمة المواطن وتجتهد على الدوام لتحسين مستوى حياته الاقتصادية والاجتماعية والحصول على لقمة العيش الشريفة ، لكي يمارس واجباته وحقوقه المدنية والسياسية بكل ثقة ومسؤولية بعيدا عن الضغوط ، ويصنع منجزاته ويدافع عنها في إطار منظومة ديمقراطية تعددية ترتكز على مبدأ التداول السلمي للسلطة واحترام الدستور .
3) ولان الهم الأول والأخير لدولة السلطة هو الاحتفاظ بالسلطة بأي ثمن فتلجأ لاستخدام كل الوسائل والأدوات اللاديمقراطية لتحقيق تلك الغاية ، كقمع الحريات العامة وإفراغ المؤسسات الدستورية من مضمونها وتزوير الانتخابات لإقصاء الآخر ولمنع التداول السلمي للسلطة، وتجدها تنغمس في الحروب كأحد أدواتها لعجزها عن حل المشكلات ديمقراطيا وحرب 94م وحرب صعدة وغيرها من الحروب التي تشجعها بين مكونات المجتمع اكبر دليل على استبداد الدولة في سبيل الاحتفاظ بالسلطة .
4) ولأنها تنظر للوطن وثرواته ومواطنيه كملكية خاصة لها ، فهي تمن على المواطن برذاذ المشاريع والوظائف العامة فيما تسمح لاركان سلطتها بممارسة كل انواع الفساد والاثراء الفاحش الغير مشروع على حساب نماء الوطن والمواطن وتطوره ، وتحتكر الوظائف العامة القيادية مدنية كانت ام عسكرية او امنية لدائرتها الضيقة ولأركان حماة هذه الدائرة .
المعالجات المقترحة :-
إن أية حلول لا تلامس جوهر المشكلة ستبقي على الأزمة وستدفع بتعميقها وربما تفجرها بشكل لاتحمد عقباه ، فلا الشعب في الشمال ولا الشعب في الجنوب في القرن الواحد والعشرين يمكن أن يتنازل عن تضحياته والقبول بنسخة مكررة ومشوهة للأنظمة التي ثار عليها ، ولذا فان وقوف الجميع وقفة رجل واحد لانتزاع المعالجات الصائبة بعيدا عن الحسابات الحزبية او الشخصية هو المأمول اليوم ، ولن يغفر التاريخ لهذا الجيل إن هو تقاعس عن أداء الواجب وأعاد الاعتبار للأهداف التى انطلقت من اجلها ثورة 26 سبتمبر 1962م في الشمال وقيام الجمهورية ، وثورة 14 أكتوبر 1963م وصولا للاستقلال الوطني في الـ 30 نوفمبر 1967م في الجنوب ،وعليه فإنني اعتقد أن الخروج من الأزمة الراهنة يأتي عن طريق :-
الاعتراف أولا بالقضية الجنوبية و يسجل " للمشترك اعترافه بها واعتبارها بوابة للحل وبقى أن يعترف الحاكم بالقضية الجنوبية والشروع الفوري في معالجتها لأنها تشكل حجر الأساس للخروج من الأزمة الراهنة التي تعصف بالبلاد وتمهد الطريق لمعالجة بقية القضايا ، باعتبار أن الأزمة الراهنة هي المنتج الرئيسي للحرب التي قضت على الوحدة السلمية وأخرجت الجنوب كشريك فيها، وأفرزت نظاما سياسيا تجسدت في ممارساته على ارض الجنوب منذ الـ7/7/94م صفات المحتل بعقلية الماضي البعيد، حيث أطلق العنان لقوى الحرب تعبث بكل شيء، الارض والبشر، في سابقة لم تمر بتاريخ الجنوب القديم والحديث منه ، وان استمرار التعنت والمكابرة لن يفضي إلا إلى المزيد من المشكلات والمآسي والعقد التي تلحق مزيدا من الضرر ليس بالوحدة لأنها لم تعد قائمة ولكن بوشائج الإخاء والمحبة والتعايش السلمي، وارى أن يتم ذلك اليوم قبل الغد، على النحو التالي:-
1) الدخول في حوار مباشر وغير مشروط مع قيادات الحراك السلمي الجنوبي، بإشراف دولي في بلد يتفق عليه، وفقا لقراري مجلس الأمن الدولي رقمي (924و931 لعام 94م ) لإيجاد المعالجة والحلول المناسبة التي تحفظ كافة الحقوق، أو
(2) استفتاء شعب الجنوب، وبإشراف دولي كامل، فيما إذا كان يرغب بالاستمرار في الوحدة أم لا، طالما والسلطة ترفض الاعتراف بالقضية الجنوبية والحوار وتصر على أن الحراك السلمي لا يمثل شعب الجنوب، وهذا حل ديمقراطي ولاضرر ولاضرار. والله ولي التوفيق وهو الهادي إلى سواء السبيل ..